jeudi 25 février 2016

المبادئ العامة للجرائم الدولية

بواسطة : موسوعة القانون بتاريخ : 04:17:00





المبادئ العامة للجرائم الدولية.




بحث من إعداد الأستاذة زهدور أشواق




مقدمة:

           شهدت المجتمعات البشرية قديما و حديثا شتى أصناف الجرائم، راح ضحيتها الملايين عبر العصور قبل أن توصف تلك الجرائم و تحدد أطر قانونية لمحاكمة المسؤولين عنها.
إذ يعد موضوع الجرائم الدولية من أهم المواضيع التي شغلت بال الحكومات و المختصين في المجتمع الدولي لكونها تمثل تحديا للنظام القانوني الدولي، و تهديدا لقيم و مصالح المجتمع الدولي الذي يحرص على حمايتها.فمازال المجـتمع الدولي يعـاني من تلك الجـرائم و خاصة الحروب التي تشكل عائقا كبيرا يواجه البشرية فكريا و أخلاقيا. و قد دفع تأثير الرأي العام الدولي و فتوره من الجرائم الدولية بكافة أشكالها و صورها الفقه الدولي إلى أن ينادي بإدانة تلك الجرائم و عقاب مقترفيها مهما كانت مناصبهم، و قد عبرت عن هذا الإتجاه بصدق محكمتا نومبرج و طوكيو الدوليتان سنة 1945 و 1947 عند محاكمتها كبار قادة الألمان من مجرمي الحرب، حيث أصدرت أحكامها باعتبار أفعال معينة تمثل جرائم دولية.
           و دراسة موضوع الجريمة الدولية و مما لا شك فيه يكتنفه بعض الصعوبات، نظرا لتعدد هذه الجرائم و غموضها مقارنة بالجرائم الداخلية، و ذلك لاستنادها إلى القانون الدولي الجنائي ذلك الفرع الحديث من القانون الدولي، و هو قانون عرفي لم يحظى غير القليل من قواعده بالتقنين في معاهدات و اتفاقيات دولية.
            و يثير البحث في الجرائم الدولية مجموعة من التساؤلات، يمكن جمعها فيما يلي:
ما المقصـود بالجرائم الدولية؟ و ما هي الجـذور التـارخيـة لهـا،هل تعـتبر حديـثـة الظـهور   أم عرفتها المجتمعات الحديثة؟
و إذا كانت الأضرار الناشئة عن الجريمة الدولية قد تقع على الفرد أو على الدولة أو المجتمع الدولي، فلمن يوجه الإتهام بارتكاب الجريمة الدولية، هل للشخص الطبيعي؟ أو الدولة؟        أو الإثنين معا؟ و هل تتخذ المسؤولية الجنائية الدولية نفس خصائص المسؤولية الجنائية الداخلية؟
و إذا كانت الجرائم الدولية عبارة عن سلوكات، فما هي الأشكال أو الصور التي تتخذها هذه الجرائم الدولية؟
           هذا ما سأحاول الإجابة عليه ، وفق الخطة التالية:
الفصل التمهيدي: نشأة الجريمة الدولية و تطورها.
المبحث الأول: الجريمة الدولية في العصرين القديم و الحديث.
المطلب الأول: الجريمة الدولية في العصر القديم.
المطلب الثاني: الجريمة الدولية في العصر الوسيط.
المبحث الثاني: الجريمة الدولية في العصر الحديث.
المطلب الأول: الجريمة الدولية في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى و الثانية.
المطلب الثاني: الجريمة الدولية بعد فترة الحرب العالمية الثانية.

الفصل الأول: النظرية العامة للجريمة الدولية.
المبحث الأول: ماهية الجريمة الدولية.
المطلب الأول: تعريف الجريمة الدولية و أساسها القانوني.
المطلب الثاني: طبيعة الجرائم الدولية.
المطلب الثالث: خصائص الجريمة الدولية.
المبحث الثاني: كيان الجريمة الدولية و الدعوى الجنائية الدولية.
المطلب الأول: نطاق الجريمة الدولية.
المطلب الثاني: أركان الجريمة الدولية.
المطلب الثالث: دعوى الجريمة الدولية.

الفصل الثاني: صور الجرائم الدولية قبل و بعد نظام روما الأساسي.
المبحث الأول: صور الجرائم الدولية قبل صدور نظام روما الأساسي.
المطلب الأول: الجرائم ضد السلام و الجرائم ضد أمن البشرية.
المطلب الثاني: جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية.
المبحث الثاني: صور الجرائم الدولية حسب نظام المحكمة الجنائية الدولية.
المطلب الأول: جرائم الإبادة و الجرائم ضد الإنسانية.
المطلب الثاني: جرائم الحرب و جريمة العدوان.
الخاتمة.
المراجع.














الفصل التمهيدي: نشأة الجريمة الدولية و تطورها.

            نتناول في هذا الفصل التمهيدي الأصل التاريخي للجرائم الدولية، و التطور الذي مرت به إلى غاية اليوم. إذ أن ظاهرة الإجرام الدولي ليست وليدة الوقت الحاضر، و إنما مرت بمراحل متعددة بدأت من المرحلة السابقة على الحرب العالمية الأولى . و تزايدت مظاهر الإجرام أثناء الحرب العالمية الثانية على إثر ما ارتكبه النازيون في تلك الحرب من جرائم بشعة ضد الإنسانية ، مما أدى إلى إقامة محاكم دولية في نومبرج و طوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب من الألمان و ذلك عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية.
            و عليه سأقسم هذا الفصل التمهيدي إلى مبحثين، أتناول في الأول الجريمة الدولية في العصرين القديم و الوسيط، و في المبحث الثاني الجريمة الدولية في العصر الحديث.

المبحث الأول: الجريمة الدولية في العصرين القديم و الوسيط.

           قسمت هذا المبحث إلى قسمين، تناولت في المطلب الأول الجريمة الدولية في العصر     القديم، و في المطلب الثاني الجريمة الدولية في العصر الوسيط (1).






 


(1)  يحدد المـؤرخـون فترة العـصــور الوســـطى بأنـهــا الفـتـرة التي تبــدأ مع سقــوط الإمـبـراطـوريــة        الرومانية عام 476 م، و تنتهي باحتلال الأتراك العثمانيين للقسطنطينية عام 1453 م.


المطلب الأول: الجريمة الدولية في العصر القديم.

           اقتنعت الحضارات القديمة بأن الحرب مصدرها إرادات الأفراد و نتيجة للإختلال   المعنوي، كما أكد الفكر اليوناني القديم بأن لجوء الأفراد للحرب سببه رفض العيش داخل حدود الضرورة و السعي دائما نحو الحياة المنعمة، و أن هدف الإنسان الدائم هو الإستحواذ على أكبر قدر ممكن من القوة التي تعتبر جوهر الحياة الإنسانية.  و لذلك كان الصراع البشري مرتبطا ببدء الخليفة نتيجة حب الإنسان للسيطرة و النزاع، إذ تعد حادثة قتل قابيل لهابيل أولى الجرائم في الحياة الإنسانية (1).
           و قد عرفت الإنسانية نوعين من أشكال مواجهة السلوكيات الضارة بالأفراد في أي    مجتمع، تمثل الأول في إجرام داخلي محدود الأثر يكون نتيجة مخالفة القوانين و عادات مجتمع معين، و تمثل الثاني في إجرام دولي يكون نتيجة اعتداء على المصالح الجوهرية التي تمس المجتمع الدولي، و يتعدى أثره حدود مجتمع معين كاعتداء شخص على أشخاص ينتمون لقبائل أو مجتمعات أخرى، أو اعتداء جماعة بأكملها على جماعة أخرى مما كان يؤدي إلى نشوب الحروب، و التي لا يحكمها أي قواعد أو مبادئ إنسانية.
          و نظرا لعدم وجود قوانين أو قواعد مشتركة موحدة بين تلك المجتمعات البدائية، فإن ما كان يبيحه مجتمع معين من أفعال قد يحرمه مجتمع آخر.فاعتداء شخص من جماعة      أو قبيلة على آخر من قبيلة أخرى سلوك مباح في مجتمع المعتدي و مبعث للفخر و واجب تحتمه  المروءة، حيث أن تلك المجتمعات لم تكن تعترف بحق الغريب عن المجتمع فهو عدو يحل قتله. و القوة هي التي كانت تحمي الحق بل تخلقه (2).

     

(1)  محمد عبد المنعم عبد الخالق، الجرائم الدولية، دراسة تأصيلية للجرائم ضد الإنسانية و السلام         و جرائم الحرب، ط1، القاهرة، سنة 1989، ص11.
(2)  محمد عبد المنعم عبد الخالق، الورجع السابق، ص12.

فالعدالة في هذه المجتمعات كانت قائمة على أساس المصلحة المادية المعززة بالقوة، حيث كان العدوان مباحا في ظل تلك المجتمعات الفطرية، بل يمثل لها ضرورة للبقاء.
كما كان يحق للقبيلة المنتصرة في الحرب الإبقاء على الأسرى أو إبادتهم، فلم يكن أسلوب تبادل الأسرى معروفا و كذلك كان للقبيلة المنتصرة إذا احتلت أرضا من قبيلة أخرى أن تعامل سكان تلك القبيلة بوحشية و اضطهاد، و أن تعامل المجتمعات الأخرى المخالفة لها في الجنس أو اللون بمنتهى القسوة و الوحشية. و هذا ما حرمه المجتمع الدولي في مرحلة لاحقة في اتفاقية مكافحة إبادة الجنس البشري (1).
          و ترجع أسباب إباحة الحروب في العصور القديمة، و ما كان يقع فيها من مخالفات لقوانينها و إبادة للجنس و استرقاق له إلى اعتقاد بعض الشعوب بامتيازهم على سائر البشر مثل الإغريق و الرومان، حيث كان أساس علاقاتهم بالشعوب الأخرى الحروب و الفتوحات.  كما ظهرت في روما مجموعة من القواعد القانونية تحكم العلاقات التي تنشأ بين الرعايا الرومان و بين رعايا الشعوب الأخرى أو المرتبطة بها و كان يسمى بقانون الشعوب، بينما كان رعايا الدول الأخرى لا يتمتعون بأي حماية قانونية  فيباح قتلهم أو استرقاقهم مما أكد أن الشعوب القديمة لم تكن تعترف بالمساواة.
          إلا أنه و مهما كانت جسامة الأضرار التي خلفتها هذه الحروب، فإنها لم تبلغ الأضرار التي خلفتها الحرب العالمية الأولى، حيث كانت أغلبية الحروب ثنائية بين دولتين أو ثلاثة على الأكثر و لم تكن عالمية. كما أن أسلحة التدمير كالطيران و القنابل الذرية       و الصاروخية  و أساليب الحرب البكترولوجية (2) لم تكن معلومة، و إنما كانت أعمال الكفاح المسلح قاصرة على الجيوش المتحاربة.
         و قد أخذت تلك المجتمعات الإنسانية القديمة عدة صور، فمن شكل الأسرة،  ثم القبيلة فالمـدينـة، فالدولــة و التي تتكون من عنـاصـر قانونية أساسية متدرجة في أهميتها و متكاملة
 
(1) اتفاقية مكافحة الجنس البشري أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948، و اعتـبرت           إبادة الجنس البشري جريمة دولية.
 (2) يقصد بأساليب الحرب البكترولوجية: تلك التي يلجأ فيهل المتحاربون إلى قذف ميكروبات تتضمن          أمراضا معدية.أنظر بهذا الصدد، محمود صالح العادلي، الجريمة الدولية، دراسة مقارنة، دار الفكر         الجامعي، الإسكندرية، 2005، ص81. 
مع بعضها البعض(1)) شعب، إقليم، دولة).
          و قد وجدت الدول نفسها في حاجة إلى إقامة علاقات مع غيرها من الدول، إما بهدف دفع خطر العدوان و تحقيق السلام، و إما بحكم الحاجة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية        و كثيرا ما كان ينشب خلاف بين الدول ينتج عنه نشوب حرب لا تحكمها قواعد أو مبادئ أخلاقية.
فالحرب في تلك العصور كانت تمثل أهمية أخلاقية و سياسية، غير أن أهميتها القانونية كانت محل جدل في الفقه (2)، فالبعض يرى أن الحرب في هذه المرحلة كانت تمثل قضية سياسية و أخلاقية، بينما ذهب البعض الآخر من الفقهاء إلى أن الحرب في تلك العصور كانت تمثل مشكلة تعلو على القانون، بينما اكتفى رأي آخر بالقول بأن القانون الدولي لم يمنع حق الحرب في هذه المرحلة، حيث أن القانون الدولي هنا خلق للحرب جانبا قانونيا باتجاهه نحو تأكيد إنسانيتها. و هذا ما ظهر في النصف الثاني من القرن 19 من جهود دولية لحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية، كمؤتمر برلين في 26/02/1885، و مؤتمر واشنطن في 02/10/1889، و مؤتمر لاهاي 1899 الذي أسفر عن معاهدة 1907 بشأن تسوية المنازعات بالطرق السلمية.

و مما سبق نرى أن القانون الدولي، و إن لم يجرم الحرب في هذه المرحلة، إلا أنه عرف جرائم الحرب بمعنى الكلمة أي الجرائم التي ترتكب مخالفة لقوانين و عادات الحرب، كما  أن فكرة الجـريمـة الدولـية ممثلـة في الجرائـم ضد السلام ظهرت مع المـلامح الأولى للقانون
الدولي، وقد ظهر هذا التجريم في ظل المدرسة الإسبانية القديمة في القرنين             السادس و السـابع عشر. و هذا مـا يؤكد أن أحكـام محكمتي نومبـرج و طوكيو الدوليتان التي
                               

(1)   محمد بوسلطان، مبادئ القانون الدولي العام، ج1، ديوان المطبوعات الجامعية، ط3، الجزائر ص98.
(2)   محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص16.

نصبها الحلفاء لمحاكمة كبار مجرمي الحرب من الألمان على الجرائم ضد السلام، و جرائم الحرب، و الجرائم ضد الإنسانية لم تكن منشئة لتلك الجرائم، بل كاشفة و مظهرة لها فقط أي للعرف الدولي الذي يعد أساس تجريمها (1).
















 

 (1) محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص17.


المطلب الثاني: الجريمة الدولية في العصر الوسيط.

          لقد أدى سقوط الإمبراطورية الرومانية إلى ظهور نواة أول مجتمع دولي بعد أن انقسمت هذه الإمبراطورية إلى دولتين. و بعد أن قامت دولة العرب المسلمين في الشرق     و عليه فقد تحددت القوى الفاعلة في المجتمع الدولي في العصور الوسطى بالإمبراطورية الرومانية ـ الجرمانية، و الإمبراطورية البيزنطية، و ممالك أوروبا الإقطاعية، و دولة العرب    المسلمين (1).
          و لم تكن هذه المجتمعات على وفاق، و إنما كان العداء واضحا بينها و خصوصا في تعاملها مع العرب المسلمين الذين استطاعوا أن يطهروا حوض البحر الأبيض المتوسط من السيطرة الأوروبية، و أن يقتحموا أوروبا باحتلالهم الأندلس عام 714م، حيث استقروا فيه فترة امتدت حتى نهاية القرون الوسطى (2)، و لم تكن الحروب الصليبية سوى مظهر من مظاهر الرد الأوروبي المسيحي على العرب المسلمين.
          و هذا ما يجرنا إلى البحث عن موقف كل من المسيحية و الشريعة الإسلامية الغراء من الجرائم الدولية.

أولا: موقف المسيحية من الجرائم الدولية.
          أدى انتشار المسيحية في العصور الوسطى إلى قيام رجال الكنيسة بوضع خط فاصل بين الكنيسة و السياسة، حيث انقسم المسيحيون الأوائل إلى فريقين: واحد يعتنق السلام       و فريق آخر تأثر بالنزعة الوطنية و رأى أن قانون الحرب الذي جاءت به المسيحية لم ينسخ قانون القوة، و إنما الحرب وجدت كعلاج لخطيئة الإنسان، و أنها أداة لإقامة العدالة بين البشر.


 
(1) عبد الله سليمان سليمان، المقدمات الأساسية في القانون الدولي الجنائي، ديوان المطبوعات الجامعية
      الجزائر، ص15.
(2)من الفقهاء من يرى أن القرون الوسطى تنتهي بسقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس عام                  
     1493م.
           و قد قسم المسيحيون الأوائل الحرب إلى مشروعة و غير مشروعة، فتكون مشروعة إذا كانت مطابقة للقواعد الإنسانية و تهدف لتحقيق سلام دائم، منها احترام حياة و أملاك الأبرياء و حسن معاملة الأسرى و الرهائن. و تكون الحرب غير مشروعة، إذا كان الغرض منها اغتصاب إقليم أي دولة، أو الاعتداء على حق دولة أخرى بدون مبرر    قانوني (1).
         إلا أن هذا التقسيم قابله مجموعة من الانتقادات من طرف الفقه الدولي، على أن هذا التقسيم أمر نسبي تختلف فيه الدول حسب مصالحها الخاصة، كما أن الدول المتحاربة كثيرا ما تخفي أطماعها غير المشروعة و تسترها بأسباب ظاهرة مشروعة.

ثانيا: موقف الشريعة الإسلامية من الجرائم الدولية.
          قسم الإسلام الجماعة الدولية قسمين كبيرين هما: دار السلام، و دار الحرب. و قسم الحرب إلى حرب مشروعة، و حرب غير مشروعة بالنسبة لكل من الدارين.

1 ـ دار السلام:
          و هي ما يجري فيها حكم إمام المسلمين. و يعتبر السلم الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم فلا يلجأ المسلمون إلى القتال إلا برغبة أعدائهم و اختيارهم لمنع الحكام الماردين من الفساد في الأرض.
2 ـ دار الحرب:
          و هي ما يجري فيها أمر رئيس الكافرين، أو هي البلد الذي يخاف فيها المسلمون من الكافرين.
و هنـا تعتبر الحرب عـادلة في الإسـلام إذا كـانت دفاعية، و الدفاع ينطوي على نوعين أشار
 


(1)          محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص19.  

إليهما القرآن الكريم (1) يتمثل الأول في الدفاع عن النفس، و ذلك في قوله تعالى:" أذن للذين يقتلون بأنهم ظلموا و إن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله " (2).
و يتمثل النوع الثاني في الإغاثة الواجبة لشعب مسلم عاجز عن الدفاع عن نفسه، و ذلك في قوله تعالى: " و ما لكم لا تقتلون في سبيل الله و المستضعفين من الرجال و النساء         و الولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها و اجعل لنا من لدنك نصيرا" (3).

          و بصفة عامة فإن الحرب تكون مشروعة في الإسلام في الحالات التالية:
1 ـ قتال فريق من المسلمين رفض الصلح مع فريق آخر قبل الصلح.
2 ـ نجدة أمة إسلامية عجزت عن الدفاع عن نفسها و استغاثت بالمسلمين.
3 ـ في حالة الدفاع عن النفس إذا هوجم المسلمون.
4 ـ في حالة رفض أهل الكتاب دفع الجزية.
5 ـ في حالة رفض المشركين الإسلام.
و في غير هذه الحالات لا يقر الإسلام الحرب و يحرمها.
           و هكذا فالحرب عند المسلمين، رسالة غايتها نشر الدين و إعلاء كلمة الله عز       و جل. و على المقاتل المسلم التحلي بالأخلاق الإسلامية السامية، حيث أن تعاليم الحرب في الإسلام تحتم الوفاء بالعهود، و تحريم الغدر و الخيانة، و تدعو إلى احترام الإنسانية و تكريم البشرية والرحمة في الحرب (4).  

(1) محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص29.
(2) سورة الحج، آية 39.
(3) سورة النساء، آية 74.
(4) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص16.

المبحث الثاني: الجريمة الدولية في العصر الحديث.

          شهدت نهاية القرون الوسطى أحداثا جساما كان لها أبعد الأثر في تاريخ أوروبا الحديث، و كان أهمها سقوط بيزنطة سنة 1453 بيد الأتراك العثمانيين، و ظهور البروتستانت، و ضعف سلطة البابا، و ظهور البرجوازية، حيث أدت هذه العوامل إلى خلق مناخ دولي جديد كان من نتائجه فرط الرابطة الدينية التي كانت تنطوي تحتها الدول الأوروبية بزعامة البابا. كما أنها ساعدت على خلق دول أوروبية قومية تتمتع بالسيادة المطلقة على إقليمها و شعبها في الداخل، و بالمساواة مع الدول الأخرى في الخارج (1).
           و قد أدى التنافس بين هذه الدول إلى قيام عدة حروب بينها، و التي عادة ما كانت تنتهي بإبرام معاهدات دولية بين الدول المتحاربة لإنهاء القتال، و تحديد و تنظيم عادات الحرب، و إقرار بعض المبادئ المتفق عليها. حيث ساهمت هذه المعاهدات في إثراء         و تطوير القانون الدولي العام، و رسمت النواة الأولى للقانون الدولي الجنائي. و من أهم هذه المعاهدات:
1 ـ معاهدة وستفالي:
          أقرت هذه المعاهدة الحرية الدينية، و اعترفت بسيادة الدول و المساواة بينها، كما أقرت مبدأ هاما في القانون الدولي و هو " مبدأ التوازن الدولي "، و الذي مؤداه أنه يمنع على دولة ما التوسع على حساب دولة أخرى، و يقتضي أن تتضامن الدول في ردها على كل محاولة من هذا القبيل.
          و قد وقعت كل الدول الأوروبية على هذه المعاهدة، باستثناء انجلترا و بولونيا لترتيب وضع أوروبا بعد حرب الثلاثين سنة. و لقد اعتمدت هذه الأطراف، و لأول مرة المبادئ و القواعد الدينية لحل المنازعات بالطرق السلمية، مؤكدة على أنه لا يجوز لأية دولة

 

(1)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص23.


أن تلجأ إلى السلاح للحصول على حقها الذي تدعيه. و نظرا لأهمية هذه المعاهدة فقد قيل بأن القانون الولي بدأ بها.  
2 ـ معاهدة أوترخت سنة 1713:
         دعمت هذه المعاهدة مبدأ التوازن الدولي بمنعها ملك فرنسا من الجمع بين العرشين الفرنسي و الإسباني. كما نظمت هذه المعاهدة حقوق المحايدين و واجباتهم.
3 ـ معاهدة الحياد 1780:
          و قد انعقدت بين الدول الثلاث: الدنمارك، و السويد، و روسيا، حيث تناولت قواعد الحرب في البحار، و القواعد التي تتعلق بالحياد بين الدول المتحاربة، و لهذا السبب سميت معاهدة الحياد.

          و يظهر مما سبق أن هذه المعاهدات قد ساهمت في إقرار بعض مبادئ القانون الدولي العام، كحماية استقلال الدول، و ومنع التدخل في شؤونها الداخلية، و الاعتراف بسيادتها، و المساواة بينها، و إقرار مبدأ الحرية الدينية، و احترام المعاهدات الدولية، و إيجاد مبدأ التوازن الدولي الذي أصبح أحد أهم ركائز السياسة الأوروبية في ذلك الوقت (1).
         إلا أنه و بالرغم من ظهور مبادئ المحبة و العدالة و السلام، إلا أنها لم تصمد أمام نزوات الحكام و مصالح الدول المتناقضة. فقد تعقدت المسائل و أدت أطماع الدول إلى كثير من الحروب، ومنها معارك الحرب العالمية الأولى التي دارت لمدة أربع سنوات، حيث كشفت تلك الحروب عن تطور خطير في وضع الحرب و ذلك لتعدد الاعتداءات على قواعد و عادات الحرب، حيث استعملت أسلحة الدمار الجماعي كالغازات السامة.وأصبحت الحرب شاملة تمس الأمة المحاربة في جميع أفرادها، فلأول مرة تأخذ الحرب صفة العالمية إذ اشتركت فيها أمم من جميع أنحاء العالم و صار من الصعب على دولة ما أن تلتزم الحياد.    


(1)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص24.


          و أمام الظروف التي سادت العالم كان من الضروري إقامة نظام دولي جديد تصبح الحرب في ظله محرمة أو على الأقل مقيدة، لذلك فقد نتج عن المؤتمر التمهيدي للسلام عقب الحرب العالمية الأولى إبرام معاهدة فارساي التي اشتملت على 15 جزءا ضمنت 44 مادة تضمن الجزء الأول منها عهد عصبة الأمم في المواد من (1 ـ 26)، و الجزء السابع المسؤولية عن الحرب،و عن جرائم الحرب و الجزاءات في المواد من ( 227 ـ 230)  فنص في المادة 227 على مسؤولية غليوم الثاني جنائيا عن الحرب، و على حد تعبير المادة 7 عن إهانته البالغة للأخلاق الدولية و قدسية المعاهدات، كما تضمنت المادة 228 المسؤولية عن مخالفة قواعد و قوانين الحرب.
          و قد اتجهت الجهود الدولية إلى الدعوة الصريحة إلى ضرورة إنشاء منظمة دولية تتكفل بحفظ السلام في المستقبل، و قد تمثلت هذه المجهودات في صورة مجهودات فردية إقليمية: ( كجمعية اتحاد الرقابة الديمقراطية الإنجليزية عام 1914، المجلس الهولندي لمحاربة الحرب الذي عقد في منتصف سنة 1914، و الجماعة الأمريكية لتدعيم السلام)  كما شملت تلك المجهودات مشروعات أخرى حكومية من أمثلتها: ( تقرير لجنة فليمور أوائل سنة 1918، مشروع الرئيس ولسن الذي كان من أكبر الدعاة إلى إقامة عصبة الأمم          و المشروع الفرنسي بشأن التنظيم الدولي سنة1918، و تقرير لجنة المسؤوليات المنبثقة عن مؤتمر السلام) (1).
         و تبعا لكل ما تمت الإشارة إليه، يتوجب علينا معرفة حال الجريمة الدولية في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى و الثانية في المطلب الأول، و كذا الجريمة الدولية بعد فترة الحرب العالمية الثانية في مطلب ثاني.   




(1) محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص380.


المطـلب الأول: الجريمـة الدوليـة في فتــرة مـا بيـن الحـربين العـالميتين الأولــى
                    و الثانية.          


          عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى سارعت لجنة مشتركة باسم لجنة هيرست ميلر مكونة من بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية إلى وضع مشروع عهد عصبة الأمم الذي تدارسته الدول في مؤتمر فارساي و حرصت على أن تضمنه في معاهدات صلح  سنة 1919 (1). حيث كانت عصبة الأمم أول تنظيم عالمي شامل أنشئ بهدف صيانة السلم العالمي و حماية العالم من ويلات حروب عديدة، و قد تضمن قانونها، المسمى عهد عصبة الأمم الذي أصبح ساري المفعول من 10/01/1920، نصوصا تقضي بصيانة السلم و التزام الدول بتسوية خلافاتها بالطرق السلمية و توقيع العقاب على الدولة المعتدية، حيث يقع العهد في 26 مادة، جاء في مقدمتها أن أغراض العصبة هو توثيق التعاون بين الأمم و ضمان السلم و الأمن الدوليين، و ذلك بوضع التزامات على الدول الأعضاء بعدم اللجوء إلى الحرب. فقد أوجبت المادة 10 من العهد على كافة أعضاء العصبة الالتزام باحترام سلامة أقاليم الدول و استقلالها، و ضمان هذا الاستقلال من كل اعتداء خارجي. و جاء في المادة  11 بأن كل حرب أو التهديد بالحرب تهم العصبة بأجمعها، و على العصبة الالتزام باتخاذ الإجراءات اللازمة لصيانة السلام العالمي و أن تقوم العلاقات بين الدول على أساس العدالة و الشرف و احترام قواعد القانون الدولي.
          و فيما يتعلق بموقف عهد عصبة الأمم من الجريمة الدولية، فإن العهد لم يحرم اللجوء إلى الحرب حيث لم يتضمن نصا عاما بتجريم الحرب كمبدأ مسلم به، بل قيد حق الدول في الدخول فيها بشروط خاصة. كما حرم على الدول الدخول فيها في حالات معينة نص عليها في المواد من 11 إلى 17، فقد نصت المادة 11 من العهد أن كل حالة حرب     أو حالة تهديد بالحرب، سواء تعلقت بدولة عضو في العصبة أو غير عضو، تهم العصبة بأجمعها و عليها واجب اتخاذ ما يلزم من إجراءات لصون سلم العالم.

(1) محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص40.

          و قد حرم عهد العصبة الحرب في حالة واحدة فقط هي حالة الفصل في النزاع بقرار تحكيم أو حكم محكمة أو قرار ملزم من المجلس مع قبول أحد الطرفين المتنازعين له. و هنا يحرم على الدولة الأخرى في هذه الحالة الدخول في حرب مع الدولة القابلة للتحكيم أو الحكم أو التقرير الملزم من أجل النزاع. كما تسري حالة تحريم الحرب بالنسبة للدول غير الأعضاء في العصبة إذا قبلت تلك الدول الالتزام بالأحكام السابقة.
           و بمفهوم المخالفة نجد أن أحكام ميثاق عهد عصبة الأمم تبيح اللجوء إلى الحرب في الأحوال التالية:
1 ـ حالة عدم صدور قرار التحكيم أو حكم المحكمة في فترة معقولة ( و هي 6 أشهر) حسب      ما جاء في الفقرة 2 من المادة 12.
2 ـ إذا أخفق المجلس في إصدار تقرير ملزم في النزاع المعروض عليه (1).
3 ـ حالة صدور قرار التحكيم أو حكم المحكمة أو قرار المجلس، و لم ترضى به إحدى            الدولتين المتنازعتين من أعضاء العصبة و انتظرت فترة 3 أشهر (2).
          إلا أنه و بعد قيام عصبة الأمم بسنوات قليلة ساد الاعتقاد بضرورة تعديل هذا العهد و تكملته وصولا إلى التحريم الشامل للحرب. و تجسد هذا الاقتناع في شكل مجهودات دولية على المستوى العالمي من جهة، و المستوى الإقليمي من جهة أخرى، مثل مشروع معاهدة المعونة المتبادلة سنة 1923، و بروتوكول جنيف في 12/10/1924، و اتفاقية لوكارنو سنة 1925، و قرار الجمعية العامة لعصبة الأمم المتعلق بالحرب العدوانية في 24/12/1927 على اعتبار الحرب العدوانية جريمة دولية، و مؤتمر هافانا 18/02/1928، و ميثاق بريان كيلوج في 27/08/1928(3).
    

(1)  التقرير الملزم هو الذي يصدر باتفاق الآراء دون اعتبار لأصوات الدول المتنازعة، أي بإمتاع الدول غير المتنازعة.
(2)  محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص45.
(3)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص47.

          و لم تتوقف الجهود الدولية عند هذا الحد، فقد عقدت اتفاقيات تحت إشراف و رعاية عصبة الأمم و قد حرصت هذه الاتفاقيات على تحريم عدة أفعال من بينها: اتفاقية إلغاء الرق و تجارة العبيد في 25/09/1926، و اتفاقية مكافحة الإرهاب في 16/11/1937 في أعقاب حادث اغتيال ملك يوغسلافيا الكسندر، و الوزير الفرنسي بارتو في مرسيليا بفرنسا (1).

          و خلاصة القول أن الحرب العالمية الأولى شحنت المجتمع الدولي بالخوف و جعلته يبحث عن الخلاص عله يستطيع تجنب الحرب و ويلاتها. و كان عهد عصبة الأمم أول ثمرة في هذا المضمار، إلا أن هذا العهد لم يحرم الحرب تحريما قاطعا ولم يجعل اللجوء إلى التحكيم إجباريا و لم يبين الطرق الكفيلة بحل النزاعات الدولية، و لذا فقد لجأت الدول إلى إنشاء المعاهدات و بذل الجهود لإقرار مبادئ متقدمة على مبادئ العهد، و منها: بروتوكول جنيف الذي دعا إلى الأخذ الإجباري بالتحكيم لفض المنازعات الدولية، و معاهدة بريان كيلوج التي نصت على تحريم الحرب تحريما قاطعا.
           و لئن كانت الفترة قصيرة بين الحربين، إلا أنها عرفت تحركا دوليا و فقهيا معتبرا فقد كان لمعاهدة فارساي (2) و إخفاق المجتمع لدولي في تطبيقها أثر كبير على نهضة الفقهاء، و دعوتهم إلى سد الثغرات القانونية و المطالبة بإقرار قانون دولي جنائي و قضاء دولي جنائي أيضا يكفلان معاقبة مرتكبي الجريمة الدولية. و في هذه الفترة بدأ وصف الحرب كجريمة دولية، و هو ما شكل تقدما ملحوظا في مضمون المعاهدات و المواثيق الدولية آنذاك (3).  

         




(1) محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص35.
(2) وقعت معاهدة السلام في فرساي بتاريخ 28/06/1919، حيث خصص القسم السابع من المعاهدة 
     لجرائم الحرب(مواد 228ـ230)، و لجريمة السلام (المادة 227).
(3) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص51.  

المطلب الثاني: الجريمة الدولية بعد فترة الحرب العالمية الثانية.

       إن اندلاع الحرب العالمية الثانية في أول سبتمبر 1939 من الأسباب الرئيسية لفشل عصبة الأمم في تحقيق دورها في حفظ السلم و الأمن الدوليين. و قد حدثت أثناء الحرب انتهاكات إجرامية على الصعيد الدولي، فقد أدى ارتكاب القوات الألمانية أثناء الحرب لجرائم جنائية حيال أسرى الحرب و السكان المدنيين في البلاد المختلفة و ما اتسم به إجرامهم من فضاعة عديمة النظير إلى الحد الذي لم تكن هناك ثمة أي توازن بين طغيان القوات الألمانية و مقاومة قوات الحلفاء، وقد أثارت تلك الأفعال حكومات الدول المتحالفة و دفعها إلى التفكير جديا في محاكمة المسئولين عن الحرب من الألمان في حالة انتصارها في الحرب. و قد صدرت عدة تصريحات بهذا المعنى أثناء معارك الحرب العالمية الثانية؛ففي سنة 1942 شكلت لجنة من دول الحلفاء للكشف عن جرائم الحرب، و صدر في لندن في 13 يناير 1942 تصريح باسم سان جيمس اعتبره البعض من الفقه بمثابة إعلان لنشأة فكرة العقوبة على الجرائم ضد الإنسانية. و في 30/10/1943 بموسكو، وقع الإتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا تصريحا نشر في 01/11/1943 تضمن عزم الدول المتحاربة على معاقبة ألمانيا و حلفائها على الجرائم الدولية التي ارتكبها جنودها و حلفاؤها بالأراضي المحتلة. و قد أجاز هذا التصريح للدولة المجني عليها الحق في عقاب من أضربها وفق قانونها الوطني، كما أعطى الحق لدول الحلفاء في عقاب من تجاوز أضراره دولة معينة     و نص على اعتبار قادة القوات الألمانية الممثلين الرسميين للسلطات الألمانية بمثابة مجرمين باعتبار أن أفعالهم تمثل انتهاكا للقانون الدولي، و يعد هذا التصريح بمثابة تشريع أي إنذار عالمي قبل إنزال العقاب.
           و قد تلا ذلك اجتماع دومبارتون أوكس بالقرب من واشنطن في أوت 1944، أعقبه مؤتمر يالتا في فبراير 1945، و الذي ضم كل من الولايات المتحدة الأمريكية، و بريطانيا  و الإتحاد السوفيتي، و وفقا لما تم الاتفاق عليه في يالتا أخذت الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقها توجيه الدعوة لمؤتمر سان فرانسيسكو في الفترة من 25أفريل إلى 26 يونيو سنة 1945. و قد وافق المؤتمر في 26 يونيو على ميثاق الأمم المتحدة.
و كان قد سبق ذلك أن اتفق الحلفاء في لندن سنة 1945 في 8 أوت، بعد هزيمة ألمانيا في 5يونيو 1945، على تشكيل محكمة عسكرية دولية في نومبرج لمحاكمة مجرمي الحرب من الألمان الذين لا يمكن حصر إجرامهم في إقليم جغرافي لدولة واحدة، و الذين ارتكبوا هذه الجرائم بصفتهم الشخصية أو التمثيلية لجماعات أو طوائف معينة، كما أوضح ميثاق لندن أسس الجريمة و كيفية المحاكمة عنها و قد أبيح لسائر الحكومات المتحالفة الانضمام إليه.
          و عليه و تبعا لذلك فلابد من التطرق لموقف المحكمتين العسكريتين الدوليتين في نومبرج و طوكيو من الجريمة الدولية.

أولا: المحكمة العسكرية الدولية في نومبرج.

           إن إنشاء المحكمة العسكرية لنومبرج كانت من مستحدثات مؤتمر يالتا و اتفاقية لندن لعام 1945، يقع مقرها في برلين و أجريت أول محاكمة في نومبرج. و قد أحالت هذه الاتفاقية على اللائحة المذكورة بها بيان كيفية تشكيل المحكمة و صلاحياتها و الإجراءات الواجب إتباعها أمامها.
و حسب ما جاء في نص المادة 2، فإن هذه المحكمة تتشكل من أربع قضاة أصليين، و أربع احتياط، على أن يحل العضو الاحتياط محل الأصلي عند غيابه لأي سبب من الأسباب.      و تتولى كل دولة من الدول الأربعة الموقعة على الاتفاقية تعيين قاض و نائب له من بين مواطنيها.
           تشكلت هذه المحكمة من القاضي الأمريكي (بيدل)، و الانجليزي (لورانس) و الفقيه الفرنسي( دي فاير)، و الروسي( فيكتشنو)، و قد تولى الانجليزي لورانس رئاسة هذه المحكمة. و بالاتفاق تتولى هذه الدول الأربع تعيين ممثل للاتهام.
           و قد أخذت هذه المحكمة الطابع العسكري ضمانا لسرعة الفصل في القضايا المطروحة أمامها، إضافة إلى أن هذا النوع من المحاكم غير مقيد من حيث الاختصاص المكاني بالأقاليم التي وقعت فيها الجريمة، و هو ما صرح به اللورد سيمون وزير العدل البريطاني آنذاك " إن من المسلم به في القانون الدولي، أن قوانين الحرب تسمح للقائد المحارب أن يعاقب ـ بواسطة محكمة عسكرية ـ كل من يثبت ارتكابه لعمل عدائي مخالف لقوانين الحرب و عاداتها أينما كان مكان ارتكاب هذا العمل" (1).       


(1)  علي يوسف الشكري، القانون الجنائي الدولي في عالم متغير، إيتراك للطباعة و النشر، مصر الجديدة  ، ص30.

          و قد قسمت المادة 6 من لائحة لندن، و التي غالبا ما يطلق عليها لائحة نومبرج الجرائم التي يحق لمحكمة نومبرج أن تفصل فيها أو التي يمكن محاكمة مجرمي الحرب عنها إلى ثلاث طوائف: الجرائم ضد السلام، و جرائم الحرب، و الجرائم ضد الإنسانية (1).

           و فيما يتعلق باختصاص هذه المحكمة فقد حددت  المادة 6 من قانون المحكمة اختصاصاتها، حيث تختص المحكمة بمحاكمة و معاقبة الأشخاص ،الذين ارتكبوا بصفتهم الشخصية أو بوصفهم  أعضاء في منظمة تعمل لحساب دول المحور، فعلا يدخل في نطاق الجرائم ضد الإنسانية و الجرائم ضد السلام و جرائم الحرب.

          إلا أن محكمة نومبرج واجهت العديد من الانتقادات كما هو عليه الحال بالنسبة لأي محكمة دولية. و من بين هذه الانتقادات: أن اختصاصها نابع من اتفاقية أبرمت بين الغالبين ضد المغلوبين، كما أن ميثاقها نص على عدم جواز رد القضاة و مخاصمتهم من قبل المتهمين و هو الأمر الذي يخل بمبادئ العدالة الدولية، كما أن هذه المحكمة لم تنشأ أساسا إلا لمحاكمة كبار مجرمي الحرب الألمان و قانونا لا يخضع هؤلاء إلا للقانون الألماني باعتباره قانونهم الشخصي، و إن تم الاتفاق بعد ذلك على استبعاد هذا القانون. و من بين الانتقادات كذلك أن المحاكمات التي قامت بها المحكمة هي في حقيقتها محاكمات ذات أثر رجعي حيث لم تكن الجرائم التي ارتكبها المتهمون قبل إنشاء المحكمة مجرمة طبقا لقواعد القانون الدولي السارية آنذاك، كما أنها قامت بمحاكمة أشخاص طبيعيين عن جرائم ارتكبت ضد القانون الدولي، مع أن الأفراد ليسوا من أشخاص القانون الدولي، و إذا ما أريد مخاطبتهم فمن خلال دولهم فقط.




(1)  محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص63.




ثانيا: المحكمة العسكرية الدولية في طوكيو.

           بعد هزيمة اليابان و توقيعها على وثيقة الاستسلام في 2/09/1945 أصدر القائد الأعلى لقوات الحلفاء في الشرق الأقصى الجنرال الأمريكي ماك آرثر في 19/01/1946 إعلانا يقضي بتأسيس محكمة دولية عسكرية لمحاكمة مجرمي الحرب في الشرق الأقصى  و بصفة خاصة من اليابانيين.و تم تحديد النظام الأساسي للمحكمة بميثاق ألحق بهذا الإعلان  و عقدت المحكمة أول جلساتها في مدينة طوكيو(1).
          تشكلت هذه المحكمة من 11 قاضيا يمثلون 11 دولة (2)، عشرة منها حاربت اليابان و دولة واحدة و هي الهند كانت من دول الحياد. و تم اختيار قضاة هذه المحكمة من قبل القائد الأعلى للسلطات المتحالفة و لكن في حدود قائمة الأسماء المقدمة له من الدول الإحدى عشر.

           و ما يلاحظ على هذه المحكمة أنها لم تكن وليدة معاهدة دولية كما هو الحال عليه في المحكمة العسكرية في نومبرج.و قد أصدرت لجنة الشرق الأقصى قرارا سياسيا في 03/04/1946 يقضي بالقبض على المتهمين و المحاكمة و تنفيذ العقوبات على مجرمي الحرب في الشرق الأقصى.
و قد تم تقسيم الجرائم الداخلة في اختصاص محكمة طوكيو إلى ثلاث أقسام بموجب المادة 5 من لائحة طوكيو و هي: جرائم ضد السلام، و الجرائم ضد الإنسانية،و الجرائم المرتكبة ضد معاهدات الحرب.
           و بدورها واجهت محكمة طوكيو مجموعة من الانتقادات منها: أنها لم تنشأ بموجب معاهدة، و إنما استنادا لقرار القائد الأعلى لقوات الحلفاء في الشرق الأقصى، كما تم تحديد أسماء المتهمين بناءا على اعتبارات سياسية الأمر الذي انعكس على عدالة الأحكام.كما  أن تنفيذ العقوبات كان محكوما بإرادة القائد الأعلى لقوات الحلفاء الجنرال ماك آرثر بصفته صاحب السلطة في تخفيض العقوبة أو إصدار العفو الخاص.


(1)  علي يوسف شكري، المرجع السابق، ص35.
(2)  هذه الدول هي: الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد السوفييتي، بريطانيا، الهند، فرنسا،الصين، استراليا، كندا، هولندا، نيوزلندا، الفلبين.

الفصل الأول: النظرية العامة للجريمة الدولية.

           إن الجريمة سواء أكانت داخلية أو دولية تمثل عدوانا أو اعتداءا على مصلحة يحميها القانون، غاية ما في الأمر أنه في مجال الجريمة الداخلية يتولى حماية المصلحة فيه القانون الجنائي الداخلي الذي ينص على أركان الجريمة  و العقوبات المقررة لفاعليها، بينما في مجال الجريمة الدولية يتولى القانون الدولي الجنائي، ذلك الفرع الحديث من القانون الدولي، حماية المصلحة التي تهم المجتمع الدولي كما يتكفل ببيان أركان الجريمة و العقوبات المقررة لها.
          و سأتناول فيما يأتي كل ما يتعلق بالجريمة الدولية ، لذلك ارتأيت تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين  أتناول في المبحث الأول ماهية الجريمة الدولية ، أما المبحث الثاني تناولت فيه كيان الجريمة الدولية و الدعوى الجنائية الدولية. و هو ما سأتناوله تبعا.

المبحث الأول: ماهية الجريمة الدولية.

          مع التطور العلمي و تقدم عجلة النمو، برزت جرائم لم تكن معهودة في السابق الأمر الذي شغل تفكير علماء الإجرام على الصعيدين المحلي و الدولي في كيفية التعامل مع هذه الجرائم  و السبل الكفيلة لردعها و القضاء عليها. هذا الاهتمام أخذ صداه في أوساط صناع القرار السياسي، خاصة أن هذه الجرائم تجاوزت نطاقها التقليدي لتصبح ترتكب بحرفية فائقة و لم تعد ترتكب داخل الحدود، و إنما أضحت عابرة للحدود (1).
           و كما هو معلوم فان التشريعات الوطنية لم تضع تعريفا للجريمة، و إنما تركت ذلك للاتجاهات الفقهية. و هو الأمر كذلك بالنسبة للجريمة الدولية فلا توجد ثمة قاعدة دولية تعرف الجريمة الدولية و ترك ذلك للفقه الدولي.




 



(1)  رائد سليمان الفقير، مقال حول " خصائص و أركان الجريمة الدولية "، مركز القوانين العربية.


          كما أن الجريمة مهما كان نوعها سواء داخلية أو خارجية، فإنها تقوم على أساس قانوني يجرمها. بالإضافة إلى أن الجريمة الدولية تتميز عن باقي أنواع الجرائم العالمية           و السياسية  و غيرها، كما تتميز بمجموعة من الخصائص تميزها عن الجريمة الداخلية.
 

           و عليه فإنني سأقسم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب، أتناول في المطلب الأول تعريف الجريمة الدولية و أساسها القانون، و الطبيعة القانونية للجريمة الدولية في مطلب ثاني، أما المطلب الثالث فقد خصصته لخصائص الجريمة الدولية.  




















المطلب الأول: تعريف الجريمة الدولية و أساسها القانوني.

          مثلما لم تضع التشريعات الوطنية تعريفا للجريمة ـ كما أشرت إليه سلفا ـ و تركت ذلك للاجتهادات الفقهية، فإن الأمر كذلك بالنسبة للجريمة الدولية. و فيما يلي سأحاول إعطاء مجموعة من التعريفات الفقهية للجريمة الدولية. ثم الأساس القانون لهذا النوع من الجرائم.

أولا : تعريف الجريمة الدولية.

           سبق للفقيه الروماني بللا أن عرف الجريمة الدولية بأنها : " كل سلوك محظور يقع تحت طائلة الجزاء الجنائي الذي يطبق و ينفذ باسم المجموعة الدولية ". و عرفها جلاسيير بأنها : " كل فعل يخالف القانون كونه يضر بالمصالح التي يحميها هذا القانون في نطاق العلاقات الدولية، و يوصف بأنه عمل جنائي يستوجب تطبيق العقاب على    فاعله " (1) ، و إن كان يعيب هذا التعريف إغفاله بيان العقوبة.
          و يرى بلاوسكي بأن الجريمة الدولية : " هي كل فعل غير مشروع يقترفه الأفراد يمنعه و يعاقب عليه القانون الدولي الجنائي كونه يضر بالعلاقات الدولية في المجتمع الدولي ". و يعرف سالدانا الجريمة الدولية بأنها : " تلك الجريمة التي يترتب على وقوعها إلحاق الضرر بأكثر من دولة "، و يضرب مثلا لذلك بجريمة تزييف العملة التي قد يعد     و يدبر لها في دولة و تنفذ في دولة أخرى و توزع العملة في دولة ثالثة (2).
          و يعرفها لومبوا بأنها : " تصرفات مضادة لقواعد القانون الدولي العام لانتهاكها المصالح التي تهم الجماعة الدولية، و التي قررت حمايتها بقواعد هذا القانون " (3).       و يعرف دوتريكور الجريمة الدولية بأنها : " تلك الجريمة التي تمثل انتهاكا للنظام العام في أكثر من دولة ".


(1)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص85.
(2)  محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص76.
(3)  محمد منصور الصاوي، أحكام القانون الدولي المتعلقة بمكافحة الجرائم ذات الطبيعة الدولية، دار
المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، ص7.

          و قد عرفها فقهاء آخرون بأنها : " فعل غير مشروع في القانون الدولي، صادر من شخص ذي إرادة معتبرة قانونا  و متصل على نحو معين بالعلاقة بين دولتين أو أكثر و له عقوبة توقع من أجله " (1). أو أنها : " كل فعل أو امتناع غير مشروع ينال بالاعتداء حقا أو مصلحة في نظر القانون الدولي و تكون له عقوبة توقع من أجله".
           و من تعريفات الجريمة الدولية كذلك أنها : " اعتداءات تقع على القيم أو المصالح التي تهم الجماعة الدولية ككل، و التي قررت حمايتها بقواعد القانون الدولي، سواء من خلال العرف الدولي الذي يدمغ هذه الاعتداءات بطابع الجريمة الدولية كما هو الحال في جريمة القرصنة أو إعلان حرب عدوانية، أو من خلال الاتفاقيات الدولية التي تعطي صفة الجريمة الدولية لمنع هذه الاعتداءات، كما هو الحال في الاتفاقيات الدولية لمنع و عقاب إبادة الأجناس حسبما قررت ديباجتها و المادة الأولى منها ".
و يلاحظ على هذا التعريف أنه يجمع ما بين الجانب الشكلي و الجانب الموضوعي في تعريف الجريمة الدولية؛ يتمثل الجانب الشكلي في العلاقة ما بين الاعتداءات و القانون الدولي و تعد الواقعة جريمة متى وقعت بالمخالفة لقواعد هذا القانون، أما الركن الموضوعي فإنه يتمثل في العدوان على المصالح و القيم التي تهم الجماعة الدولية و التي قررت حمايتها بقواعد القانون الدولي (2).
          كما تعرف: " كل سوك ـ فعلا كان أو امتناع ـ إنساني يصدر عن فرد باسم الدولة أو برضاء منها، صادر عن إرادة إجرامية يترتب عليه المساس بمصلحة دولية مشمولة بحماية القانون الدولي عن طريق الجزاء الجنائي " (3).  
           و عرفت الجريمة الدولية كذلك بأنها: " سلوك بشري عمدي يراه المجتمع الدولي متمثلا في أغلبية أعضائه، مخلا بركيزة أساسية لكيان هذا المجتمع ـ أي لقيام التعايش السلمي بين شعوب البشرية ـ أو بدعامة معززة لهذه الركيزة، و يكون منافيا للضمير البشري العالمي لذلك المجتمع، و قابلا لإفلات صاحبه من المسائلة الجنائية؛ إما لاتخاذه في مكـان غير خاضع لسلطـان أية دولـة كالبحر العام و الجو العام، و إما لصـدوره من قوة


 


(1)  عبد الفتاح بيومي حجازي، المحكمة الجنائية الدولية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2005
      ص12.
(2)  عبد الفتاح بيومي حجازي، المرجع السابق، ص16.
(3)  محمود صالح العادلي، المرجع السابق،ص66.
تتسلط على أشخاص لا يملكون لها دفعا، و إما لعدم إحكام العقاب عليه في مكان اتخاذه أو في مكان احتماء لصاحبه أو لاجتيازه حدود الدولة بطريقة غادرة أو لوروده على محل قابل لأن ينبثق منه الأذى إضرارا بعدد مطلق من أشخاص عاجزين عن تفادي هذا الأذى " (1).
و يؤخذ على هذا التعريف أنه تعدى حدود التعريف إلى شرح الأحكام العامة للجريمة الدولية الجنائية، و بالتالي فهو شرح لأركان الجريمة الدولية و ليس تعريفا لها(2).


           و يتضح من التعريفات السابقة أن الجريمة الدولية هي سلوك ( عمل أو امتناع ) من شأنه ، لو حدث، أن يعكر صفو العلاقات الودية بين الدول بوصفه عملا يصيب المصالح الدولية المحمية بالضرر كجرائم السلام مثلا. و لا تنحصر هذه المصالح المحمية في العلاقات بين الدول فحسب، فقد أقر المجتمع الدولي ضرورة حماية المصالح الإنسانية أيضا و ذلك بتجريمه أعمال القتل أو الإبادة أو الاسترقاق أو الإبعاد و كل اضطهاد مبني على أسباب سياسية أو عنصرية أو دينية. بل ويحمي القانون الدولي الجنائي كل ما من شأنه أن يحط بكرامة الإنسان كالتعذيب و المعاملة السيئة و الاعتداء على المدنيين فيما يسمى بجرائم الحرب.
           و هكذا فإن الحماية في الجريمة الدولية لا تقتصر على العلاقات الدولية بل تمتد لتشمل أسس المجتمع البشري أو الإنساني ذاته، و لتحديد هذه المصالح المحمية نعود إلى العرف الدولي و ما انكشف من هذا العرف في المعاهدات و المواثيق الدولية. و يطبق الجزاء على منتهك هذه المصالح باسم المجموعة الدولية ، إذ لا تستطيع أي دولة الاعتداد بأنها تنزل الجزاء على مقترف الجريمة نيابة عن المجتمع الدولي (3).   

  


 


(1) محمد منصور الصماوي، المرجع السابق، ص8.
(2) عبد الفتاح بيومي حجازي، المرجع السابق، ص17. 
(3) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص86.   
           أخيرا يتعين علينا حصر تعريف الجريمة الدولية في نطاق الجريمة التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية الدائمة. لأنه و حسب نص المواد 5 ـ 6 ـ 7 ـ 8 من النظام الأساسي للمحكمة فإنها تختص بجرائم محددة على سبيل الحصر و هي: جرائم الإبادة، جرائم الحرب  و الجرائم ضد الإنسانية. هذا ما يؤدي إلى خروج جرائم دولية كثيرة من نطاق اختصاص هذه المحكمة مثل جرائم الاتجار المنظم في المخدرات على مستوى دولي، جرائم القرصنة البحرية، و خطف الطائرات، و غيرها من صور جرائم الإرهاب الدولي.
           إلا أن خروج هذه الجرائم من نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لا يعني عدم اختصاص محاكم أخرى بها، لكن القاعدة هو عدم جواز التوسع في تفسير اختصاص المحكمة طالما أنه ورد محددا على سبيل الحصر ما لم يتم تعديله لاحقا.

            و لذلك يمكن تعريف الجريمة الدولية التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية بأنها: " فعل أو امتناع ينطبق عليه وصف الجريمة الوارد في المواد 6 ـ 7 ـ 8 من النظام الأساسي للمحكمة، سواء كانت أفعال إبادة أو أفعال ضد الإنسانية أو تلك التي تمثل جرائم حرب. على أن تصدر عن إرادة معتبرة قانونا ، و ذلك بأن تكون في إطار دولي و يتبنى الفعل ضمن سياسة دولة أو سياسة من قبل منظمة غير حكومية " (1). و عليه فإن الفعل أو الامتناع يستمد عدم مشروعيته من انطباق وصف نموذج الجريمة الوارد في المواد 6 ـ 7 ـ 8 من نظام المحكمة عليه، فضلا عن توافر إرادة معتبرة قانونا يمكن مساءلة صاحبها جنائيا أمام المحكمة.و لابد أن يتوافر لهذه الجريمة أربعة أركان: الركن الشرعي، و الركن المادي        و الركن المعنوي، و أخيرا الركن الدولي، و هو ما سأتناوله لاحقا في المبحث الثاني.





 



(1)  عبد الفتاح بيومي حجازي، المرجع السابق، ص18.

ثانيا : الأساس القانوني للجريمة الدولية.

          يقصد بالأساس القانوني للجريمة الدولية أن يكون الفعل المرتكب مؤثما، و لكن مصدر التأثيم هنا يختلف عما هو عليه الحال في القانون الداخلي، إذ ينبغي في هذا الأخير أن يكون متضمنا في نص مكتوب بينما لا وجود لمثل هذا الشرط في مجال القانون الدولي الجنائي نظرا لطبيعته العرفية الغالبة، و من هنا يكتفي الشراح بمجرد خضوع الفعل لقاعدة تجريمية دولية (1).
           و يقصد بالقاعدة التجريمية الدولية تلك التي يقررها العرف الدولي بصفة أصلية   أو تضمنها الاتفاقيات الدولية. و من هنا يبرز فارق جوهري بين القانونين الداخلي و الدولي: إذ يعتبر لاشتراط الفعل جريمة داخلية أن يكون مطابقا لنص مكتوب من نصوص التجريم بينما يكتفى في الجريمة الدولية أن يكون الفعل المكون لها خاضعا لقاعدة تجريمية دولية لا تكون بالضرورة مكتوبة. و عليه فمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات في مجال القانون الدولي الجنائي يختلف تماما عن نظيره في مجال القانون الداخلي.
            فمبدأ شرعية الجريمة و العقوبة في القانون الدولي يوجد بصورة تتفق و طبيعة القانون الدولي، فالفعل لا يمكن اعتباره جريمة إلا إذا ثبت أنه خاضع لقاعدة من قواعد القانون الدولي تثبت أن هذا الفعل يعد جريمة، بغض النظر عن شكل القاعدة التي تقر صفة الجريمة فيكفي التحقق من وجود هذه القاعدة. و لهذا يرى الفقه الجنائي أن قاعدة لا جريمة  و لا عقوبة إلا بنص في القانون الدولي الجنائي يكون صياغتها كالآتي : " لا جريمة و لا عقوبة إلا بناءا على قاعدة قانونية ـ حتى و لو كانت القاعدة القانونية غير             مكتوبة ـ " (2).
         فحتى يتحقق مبدأ الشرعية في القانون الدولي الجنائي، يجب أن تكون القـاعدة الدوليـة التي تم مخـالفتها هي قـاعدة تجريـم، لأن قواعـد التجريـم تعد من أهـم قواعد القانون الدولي لأنها تحمي الحقـوق و تصون الحريـات. و من أمثلـة قواعد التجـريـم جـريمـة الإرهـاب (3)
(1) حسنين إبراهيم صالح عبيد، الجريمة الدولية،دراسة تحليلية،دار النهضة العربية،1994،ص13.  
(2) عبد الفتاح بيومي حجازي، المرجع السابق، ص29.
(3) آخر اتفاقية فيما يتعلق بالإرهاب تتعلق بالاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي التي أقرت عام
     2005، ولم تدخل حيز النفاذ حيث فتح باب التوقيع عليها في 14/09/2005 و ستدخل حيز التنفيذ           عندما تصادق عليها 22 دولة عضو.راجع: جيسيكا لسكس، المساعدة القانونية للقاضي كلود جوردا
     بالمحكمة الجنائية الدولية، مقال بعنوان " الإرهاب بوصفه جريمة دولية "، مركز القوانين العربية.
المنصوص عليها في اتفاقية 1937، و جريمة إبادة الجنس البشري المنصوص عليها في اتفاقية 1948.
          إلا أنه و كما هو معروف فإن القانون الدولي الجنائي قانون عرفي،رغم المحاولات الفاشلة في تقنينه، و يبقى العرف الدولي مصدر التجريم في الجرائم الدولية حتى و لو نصت المعاهدات الدولية على تحريم بعض الأفعال، باعتبار أن هذه المعاهدات لا تنشئ الجرائم    و إنما تكشف عن العرف الذي جرمها.إذ يرى الفقهاء أن غياب التشريع يجب أن لا يجعلنا نتنكر لهذا المبدأ الجوهري في نطاق القانون الدولي الجنائي، فطبيعة هذا القانون يعد عقبة هامة في وجه هذا المبدأ لكنها عقبة يمكن التغلب عليها بجعل مبدأ المشروعية يخضع لمرونة خاصة تقتضيها طبيعة هذا القانون العرفي، و تتمثل هذه المرونة في إعادة صياغة المبدأ على أسس أوسع من الأسس التي اعتمدها المبدأ حاليا، فنقول : " لا جريمة و لا عقوبة إلا بقانون " دون أن نحدد نوع هذا القانون أهو مكتوب أم عرفي. و بالتالي نأخذ بروح المبدأ لا بحرفيته، فالجريمة الدولية موجودة في العرف الدولي الذي باستقرائه يمكننا تحديد الفعل المجرم دوليا.
          و الكشف عن العرف الدولي يقتضي الرجوع إلى مختلف العناصر التي تعاونت على تكوينه و التي تجد مصدرها في قانون الشعوب و العادات المعترف بها و المبادئ العامة للقانون المعترف بها من قبل جميع الدول و ما يتطلبه الصالح العام و مبادئ العدالة        و الأخلاق.
          و ما تجدر الإشارة إليه إلى أن صدور العديد من المعاهدات الدولية التي تحدد الجرائم الدولية يقربنا من مبدأ الشرعية المكتوبة حيث بدأ العرف ينكمش ليفسح مجالا واسعا للمعاهدات التي أخذت تكشف عن هذا العرف الدولي و تسجله (1).
          و يترتب على اعتبار العرف الدولي مصدرا وحيدا للجرائم الدولية عدة نتائج تنعكس على فكرة الجريمة الدولية و على بعض المبادئ القانونية التي تحكمها، و منها: قاعدة عدم الرجعية في القانون الدولي الجنائي، و القياس و التفسير الموسع، و تحديد العقوبات           و تطبيق القانون من حيث المكان.  



(1)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص100.

1 ـ قاعدة عدم الرجعية في القانون الدولي الجنائي :

          تعتبر هذه القاعدة نتيجة منطقية للأخذ  بمبدأ الشرعية نصا و روحا، وعليه فلا يجوز أن تكون القاعدة التجريمية الدولية ذات أثر رجعي بحيث تحكم وقائع سابقة على العمل بها. و يستوي بعد ذلك أن تكون نابعة عن العرف مباشرة أو منصوصا عليها في معاهدة دولية لأن هذا النص لا يعدو أن يكون كاشفا عن عرف سابق يقضي بإسباغ صفة الجريمة وليس منشئا لها ـ كما سلف الذكر ـ (1).
          و يقتضي الأخذ بهذه القاعدة وجوب تحديد زمن صدور القانون المجرم للفعل حتى نستطيع استبعاد تطبيقه عما سبقه، إلا أنه من الصعب القول متى ولد العرف و بالتالي القول بأن تجريم هذا الفعل أو ذاك قد بدأ في زمن محدد أو يمكن تحديده بدقة، و لا يمكن الاعتماد على المعاهدات الدولية التي لا يمكن اعتبارها منشئة للتجريم و إنما هي كاشفة لها عنه فحسب. و على ذلك فإن غياب التقنين الدولي الملزم و المنشئ للجرائم الدولية يجعل القاعدة صعبة التطبيق في الواقع العملي، و مع ذلك أكد المجتمع الدولي على احترام هذه القاعدة في سبيل تأكيد و احترام مبدأ الشرعية (2).

2 ـ القياس و التفسير الموسع:

          يقتضي مبدأ الشرعية في القانون الداخلي عدم اللجوء إلى القياس في نطاق التجريم خشية أن يؤدي الأخذ بالقياس إلى خلق جرائم جديدة لم ينص عليها القانون.
و رغم ذلك فإن هذا المبدأ مأخوذ به في القانون الدولي الجنائي نتيجة لطبيعته العرفية         و تفصيل ذلك أن هذا الأخير حينما يصبغ الصفة الإجرامية على فعل معين ـ عرف أو نص ـ إنما يفعل ذلك دون تحديد دقيق لأركان الجريمة أو صورها، و حتى و لو استطاع ذلك فإن الواقع العملي قد يأتي بصورة أخرى أشد ضراوة من تلك التي تواتر عليها العرف أو جاء بها النص.

 

(1) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص23.
(2) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص102. 

3 ـ تحديد العقوبات :

         يقتضي مبدأ الشرعية تحديد العقوبات المقابلة للجرائم تحديدا دقيقا و سابقا. و إذا كان الاعتماد على العرف الدولي يثير كثيرا من الإشكالات بشأن تحديد الجريمة الدولية، فإن الأمر يبدو أكثر تعقيدا بشأن العقوبات الواجبة التطبيق في حالة وقوع الجريمة الدولية. فالقانون الجنائي الدولي قانون عرفي و الأعراف تنهي عن سلوك محدد دون أن تبين الجزاء المترتب على من ينتهكه.
          إلا أنه بالرجوع إلى بعض المعاهدات الدولية و السوابق القضائية الدولية نجد أنها سنت بعض العقوبات. فقد ورد في نص المادة 27 من النظام الأساسي لمحكمة نومبرج :     " للمحكمة أن تأمر بعقوبة الإعدام ضد المدنيين أو أي جزاء آخر ترى المحكمة أنه عادل"   كما ذكرت المادة 3 من الاتفاق الرابع لمعاهدة لاهاي 1907 الغرامة كعقوبة، و في حالات أخرى ترك الأمر للدول ذات الشأن لتحديد العقوبة كما تراه مناسبا.
          و على أي حال فإن مبدأ الشرعية يعاني كثيرا من الغموض و عدم الوضوح فيما يتعلق بتحديد العقوبة، إذ يترك للقاضي حرية كبيرة في اختيار العقوبة المناسبة على نحو لا يتماشى و مبدأ الشرعية النصية بالتأكيد (1).

4 ـ تطبيق القانون من حيث المكان:

           تتميز الجريمة الدولية في أنها ترتكب في أكثر من دولة، و عليه فإن المبدأ الأساسي الذي يحكمها هو مبدأ العالمية، و ليس مبدأ الإقليمية الذي يحكم تطبيق القانون الجنائي الدولي من حيث المكان (2).  



 


(1) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص106.
(2) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص25.   

المطلب الثاني: طبيعة الجريمة الدولية.

          تمثل الجريمة الدولية عدوانا على مصلحة تهم الجماعة الدولية و ترتكب إخلالا بقواعد القانون الدولي، مما يشكل ضررا بالمجتمع الدولي و أمنه. كما يلازم الجرائم الدولية اختصاص عالمي أو حق عالمي للعقاب عليها ممثل في حق كل دولة تضع يدها على مرتكب هذه الجرائم في عقابه دون النظر إلى جنسيته أو مكان ارتكابه لهذه الجرائم، و إعطاء الحق لهذه الدولة في محاكمته أمام محاكمها الداخلية يأتي لكون الجرائم الدولية تخضع لمبدأ الاختصاص العالمي أو عالمية حق العقاب باعتباره ملازما للجرائم الدولية (1).
         و يقوم القانون الدولي الجنائي بمهمة تحديد أركان الجريمة الدولية، باعتبار هذا القانون الأخير فرع حديث من القانون الدولي وجب أن تكون له نفس خصائصه و أهمها الصفة العرفية لقواعده، لذا فإنه لا وجود لفكرة الجريمة الدولية في نصوص مكتوبة  و إنما يمكن الاهتداء إليها عن طريق العرف أو النصوص الدولية التي يقتصر دورها على كشف  و تأكيد العرف الدولي دون أن يكون لها دور في إنشاء الجرائم الدولية. و قد أدى الاعتماد على القانون الدولي الجنائي الذي يقوم في مجمله على العرف في مجال الجرائم الدولية إلى صعوبة التعرف عليها لأن ذلك يتطلب دقة البحث في العرف الدولي. و هذا قد يؤدي إلى الاحتكام إلى ما يستند إليه العرف الدولي من أفكار تتمثل في العدالة و الأخلاق و الصالح العام.
          كما أن عدم تقنين قواعد القانون الدولي الجنائي الذي نحتكم إليه في مجال الجرائم الدولية يجعلها غامضة، مما يجعل من الصعب مطابقة الفعل المرتكب للنموذج العرفي، و إذا فرض أن تصادف النص عليها في اتفاقية دولية فإن مثل هذه النصوص يقتصر دورها على الكشف عن الصفة غير المشروعة للفعل دون تحديد لأركانه و عناصره و شروطه. و يترتب على ذلك أن الفعل أو الترك إذا كان مبررا بمقتضى العرف الدولي و المعاهدات الدولية، فإنه لا يعد جـريمة دوليـة سواء كـان لا يعد جريمـة أصلا لعدم اعتبـاره كذلك في القـانـون الدولي أو كان يعد جريمة دولية إلا أن ظروفا معينة جعلته مبررا أو مباحا طبقا لقواعد هذا القانون كالأفعـال التي ترتكب استعمـالا  لحق المعـاملة بالمثل أو أفعـال المقـاومة التي يأتيهـا الشعب   

 

(1)  محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص81.

المحتلة أرضه ضد قوات الاحتلال، و تلك التي يأتيها الشعب ضد سلطات الدولة مقاومة للتمييز العنصري.
          و غالبا ما تكون الجرائم الدولية جناية و متعمدة، و نادرا ما ترتكب نتيجة لخطأ غير عمدي و يرجع ذلك لجسامة الفعل لا نوعية أو مقدار العقوبة (1).   




















 




(1)  عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص87.


المطلب الثالث: خصائص الجريمة الدولية.

          تبين لنا أن الجريمة الدولية جريمة عرفية، الأمر الذي جعلها تتسم الغموض و عدم التحديد و مع ذلك فقد استقر العرف و أكدت التجارب الدولية جملة من الحقائق أعطت للجريمة الدولية بعض الخصائص الذاتية و القانونية التي تميزها عن الجريمة الداخلية، ومن هذه الخصائص:

أولا: خطورة الجريمة الدولية و جسامتها.

           فمن الطبيعي أن تفوق الجريمة الدولية الجريمة الداخلية جسامة و خطورة، و يظهر ذلك في اتساع و شمولية آثارها. و يكفي أن نذكر بأن من الجرائم الدولية ما يستهدف إبادة الشعب و تدمير مدن و قتلا بالجماعة و تعذيب مجموعات.
و لقد وصفت لجنة القانون الدولي الجريمة الدولية بقولها : " يبدو أن هناك إجماعا حول معيار الخطورة، فالأمر يتعلق بجرائم تمس أساسا المجتمع البشري نفسه " .
          و يمكن استخلاص الخطورة إما من طابع الفعل المجرم ( القسوة، الفظاعة   الوحشية ) و إما من اتساع آثاره (الضخامة) و إما من الدافع الذي يتيح تحديد خطورة الفعل. فهذه الخطورة هي التي تكون الركن الأساسي للجريمة المخلة بسلم الإنسانية و أمنها، هذه الجريمة التي تتميز بدرجة بشاعتها و وحشيتها.

ثانيا: جواز التسليم في الجرائم الدولية.

           نرى أن الجرائم في القانون الداخلي قد تقسم إلى قسمين، جرائم عادية و الأخرى سياسية حيث تجيز القوانين الداخلية التسليم في الجرائم العادية فقط دون الجرائم السياسية.
و هو ما لا نجده في القانون الدولي الجنائي حيث لا يعرف هذا الأخير تمييزا أو تفرقة بين الجرائم، و بالتالي فإنه لا يجوز وصف جريمة دولية بأنها جريمة سياسية في مقابل وصف جريمة دولية أخرى بأنها جريمة عادية و هذا ما يؤدي إلى أن جميع الجرائم الدولية تخضع لنفس المبدأ، فإما أنها جميعها من الجرائم التي يجوز فيها التسليم، و إما أنها من الجرائم التي لا يجوز فيها التسليم. و هنا يطرح التساؤل حول موقف القانون الجنائي الدولي من ذلك؟  

          في البداية اعتبرت الجرائم الدولية من الجرائم السياسية التي لا يجوز التسليم فيها مثال ذلك امتناع هولندا عن تسليم الإمبراطور غليوم، و امتناع إيطاليا عن تسليم المسؤول عن اغتيال ملك يوغسلافيا و وزير خارجية فرنسا عام 1934.
إلا أن هذا الاتجاه لم يصمد أمام الاتجاه المضاد الداعي إلى ضرورة التسليم في الجرائم الدولية. فقد دعا المجتمع الدولي في البداية إلى ضرورة التمييز بين الجرائم الإرهابية         ( بوصفها جرائم دولية ) و الجرائم السياسية، باعتبار أن الجرائم الإرهابية على عكس الجرائم السياسية أفعال يجوز التسليم فيها. و هو ما جاء في قرار معهد القانون الدولي الصادر سنة 1892، و في معاهدة منع و معاقبة الإرهاب سنة1937 (1).
و في خطوة تالية أقر المجتمع الدولي بوجوب تسليم المجرمين الدوليين، وهو ما جاء في نص المادة 228 من معاهدة فارساي 1919.
         و أخيرا تأكد هذا الاتجاه بصفة نهائية بعد الحرب العالمية الثانية في عدة نصوص منها: المادة 7 م معاهدة إبادة الجنس 1948، المادة 32 من البروتوكول الأول 1977 الملحق باتفاقية جنيف 1949.
و بالتالي فإن التسليم جائز و مطلوب في الجرائم الدولية، و لا يمكن الاحتجاج بفكرة الجريمة السياسية في نطاق القانون الدولي الجنائي لمنع تسليم الأشخاص المطلوبين في جرائم دولية.

ثالثا: استبعاد قاعدة التقادم من نطاق الجريمة الدولية.

          يقصد بالتقادم سقوط العقوبة أو الدعوى العمومية بمضي مدة، و هي قاعدة تأخذ بها معظم التشريعات الوطنية.
أما على الصعيد الدولي فلم يتم إثارة هذه المسألة قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن ظروفا لاحقة حملت المجتمع الدولي إلى إعادة النظر لقاعدة التقادم من حيث وجوب أو رفض تطبيقها على الجرائم الدولية.
   


(1)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص90.


فقد أعلنت ألمانيا الاتحادية عام 1964 بأن قانونها الجنائي يأخذ بتقادم الجرائم بمضي 20 سنة على ارتكابها، و بالتالي سقوط الدعوى العمومية لجميع الأشخاص المذنبين بارتكاب الجرائم الدولية و الذين لم يقدموا للمحاكم بعد.
إلا أن موقف ألمانيا أثار استنكارا عالميا و هو ما أدى إلى إجماع اللجنة القانونية للأمم المتحدة في 10/04/1965 بأن الجرائم الدولية لا تتقادم. و في 26/11/1968 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب و الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية بقرارها رقم 2391 ( 3 ـ 23) و الذي جاء في مجمله على أن التقادم لا يسري على جرائم دولة محددة بغض النظر عن وقت ارتكابها، وهي جرائم الحرب الواردة في تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نومبرج العسكرية الدولية في 08/08/1945، و الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية سواء في زمن الحرب أو زمن السلم الوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نومبرج العسكرية.

رابعا: استبعاد نظام العفو من التطبيق في الجرائم الدولية.

           العفو هو تنازل الهيئة الاجتماعية عن كل أو عن بعض حقوقها المترتبة على الجريمة، و هو نوعان: عفو خاص و هو عفو عن العقوبة، و عفو شامل و هو عفو عن الجريمة.
و يتمثل العفو عن العقوبة في أنه سلطة تقديرية خاصة لرئيس الدولة ينص عليها الدستور  أما العفو عن الجريمة فهو إجراء تشريعي الغرض منه إزالة صفة الجريمة عن كل فعل هو بذاته جريمة طبقا لأحكام القانون.
و هذا النظام بنوعيه غريب عن القانون الدولي الجنائي، فخطورة الجرائم الدولية و جسامتها تجعل نظام العفو أمرا مستحيلا بالإضافة إلى غياب السلطة التي يكون لها الحق بإصداره  فكل من رئيس الدولة و السلطة التشريعية سلطتان غائبتان عن التنظيم الحالي للمجتمع الدولي (1).  


(1)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص95.


خامسا: استبعاد الحصانات في الجرائم الدولية.

           تنص القوانين الوطنية على منح بعض الأشخاص السامين في الدولة حصانة خاصة، بموجبها لا يحاكم من اقترف جريمة و ذلك لاعتبارات تقتضيها المصلحة العامة    أو العرف الدولي مثالها حصانة رئيس الدولة و أعضاء المجلس الشعبي الوطني و حصانة رؤساء الدول الأجنبية خارج بلادهم.
         إلا أن القانون الدولي الجنائي استقر على عدم إعفاء رئيس الدولة أو الحاكم الذي يقترف جريمة دولية حتى و لو كان وقت اقترافها يتصرف بوصفه رئيسا حاكما، فقد توصلت معاهدة فارساي 1919 إلى إقرار مسؤولية الإمبراطور غليوم عن جرائمه الدولية  و فشل الطرح القائل آنذاك بموجب تجنيب غليوم المحاكمة بحجة أنه يمثل شعبه و لا يجوز محاسبته إلا من قبل شعبه وحده إذ لا يمكن أن يسأل أمام سيادة أخرى لشعب آخر.
          إلا أن مبدأ عدم  الإعفاء من المحاكمة تعزز على أرض الواقع بالمحاكمات التي جرت في نومبرج و طوكيو، وقدم إليها كبار مجرمي الحرب الألمان و اليابانيين دون أن تعفيهم مراكزهم و مناصبهم العالية من الخضوع للمحاكمة.















المبحث الثاني : كيان الجريمة الدولية و الدعوى الجنائية الدولية.

         تمثل الجريمة الدولية اعتداءات على القيم و المصالح التي تهم المجتمع الدولي و التي يوليها القانون الدولي الجنائي عناية بهدف حمايتها، و نجد أن الجريمة الدولية تتميز ببعض المميزات التي تجعلها تختلف مع الجريمة في التشريعات الوطنية سواء من حيث المبادئ التي تقوم عليها، أو من حيث أركانها كما تجعلها تختلف مع باقي الجرائم الأخرى.
و لذلك ارتأيت أن أقسم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب، أتناول في الأول نطاق الجريمة الدولية، و في المطلب الثاني أركان الجريمة الدولية، أما المطلب الثالث فقد خصصته لدعوى الجريمة الدولية.

المطلب الأول: نطاق الجريمة الدولية.

          نظرا للخصائص التي تمتاز بها الجرائم الدولية، فإنها تتميز عن أنواع أخرى من الجرائم سواء كانت عالمية أو داخلية أو سياسية. و هو الأمر الذي يقتضي منا إبراز أوجه الاختلاف بين مجموع هذه الجرائم وفق ما يلي:

أولا: الجريمة الدولية و الجريمة العالمية.

          الجريمة العالمية يتولى تنظيمها ما يسمى بقانون العقوبات العالمي، و تتمثل في التصرفات المنافية للأخلاق و التي تنطوي على عدوان على القيم البشرية الأساسية في العالم، كالحق في الحياة و سلامة الجسم، وتشترك في النص عليها كافة القوانين الجنائية المعاصرة.
و تتميز الجريمة العالمية عن الجريمة الداخلية في أن مرتكبيها قد يزاولون نشاطهم في عدة دول، كما تختلف عن الجريمة الدولية في كون الأخيرة تنطوي على عنصر دولي و تمس النظام العام الدولي.
          و مقتضى الأخذ بمبدأ العالمية في نطاق القانون الداخلي أن لكل دولة وجوب السعي نحو توحيد هذه القواعد الداخلية، لأن الجرائم العالمية مجرد جرائم داخلية نص عليها القانون الداخلي و تتعاون الدول عن طريق الاتفاقيات الدولية لمواجهتها. و من أمثلة الاتفاقيات الدولية المتضمنة النص على جرائم عالمية: الاتفاقية الخاصة بمكافحة الرقيق الأبيض في 18/05/1904، و الاتفاقية الخاصة بتزييف النقود في 20/04/1929، و الاتفاقية الخاصة بمكافحة المخدرات أعوام 1925،1931،1936.  
          و إذا كان قانون العقوبات العالمي يتولى تحديد أركان الجريمة العالمية و العقاب عليها، فإن واقع الحال يؤكد عدم صلاحية هذا القانون للتطبيق بين الدول لعدم وجود هيئة أعلى من الدول يمكنها تطبيق جزاءات على الدول في حالة انتهاكها لقواعد قانون العقوبات العالمي. و على فرض إمكان توقيع جزاءات على الدول فإنها لا يمكن أن تتسم بالطابع العقابي لتعارض ذلك مع سيادة الدول. كما تتحدد الصفة العالمية لتلك الجرائم على ضوء انتشار هذه الجرائم في عدد كبير من الدول،و تنظيم ارتكابها من طرف عصابات دولية تمارس نشاطها في عدد كبير من الدول، و يختلف بذلك قانون العقوبات العالمي عن القانون الدولي الجنائي الذي يتولى تحديد أركان الجريمة الدولية. فضلا عن أن القانون الأخير يمثل واقعا قانونيا أي واقع قانون ملموس، كما أن موضوع القانون الدولي الجنائي هو حماية النظام العام الدولي من أي اعتداء و هو ما يطلق عليه القانون الروماني اصطلاحا قانون الشعوب (1).

ثانيا: الجريمة الدولية و جريمة قانون الشعوب.

          تعد الجرائم التي تنسب إلى قانون الشعوب صورة من الجرائم العالمية التي تجرمها القوانين الوضعية عادة كالرق و القرصنة. و تختلف هذه الجرائم عن الجرائم الدولية من حيث أنها جرائم داخلية تنص عليها القوانين الوضعية.
و نرى أن جرائم قانون الشعوب تصبح جرائم دولية إذا ما توافر لها الركن الدولي، كأن ترتكب تنفيذا لأوامر دولة أو لحسابها (2).  





 


(1) محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص89.
(2) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص88.

ثالثا: الجريمة الدولية و الجريمة الداخلية.

         تتميز الجريمة الدولية عن الجريمة الداخلية من حيث المصدر و من حيث الأطراف أيضا، فالجريمة الدولية تجد مصدرها في العرف الدولي و المعاهدات الدولية التي تكشف عن هذا العرف ، على خلاف الجريمة الداخلية التي تجد مصدرها في القوانين المكتوبة التي يصدرها المشرع الوطني في البلدان التي تأخذ بمبدأ الشرعية النصية، و حتى في الدول التي تأخذ بالنظام الأنجلوسكسوني ، أي التي لا تعتمد الشرعية النصية، فإن مصدر الجريمة الداخلية على عكس الجريمة الدولية يبدو واضحا لارتباطه بالسوابق القضائية المتكررة      و التي أصبحت بمثابة قانون مكتوب.
و تقع الجريمة الدولية ضد مصلحة دولية أو إنسانية، و تقوم بها الدولة أو عدة دول بنفسها  أو ينفذها أفراد برضائها أو بتشجيعها. أما الجريمة الداخلية فتقع على مصلحة وطنية يحميها التشريع الداخلي، و أطرافها هم من الأفراد العاديين على وجه العموم (1).

رابعا: الجريمة الدولية و الجريمة السياسية.

          الجريمة السياسية جريمة داخلية ينص عليها و ينظمها المشرع الوطني، كما أن الدافع إلى ارتكابها سياسي يستهدف تغيير نظام الحكم أو النظام السياسي القائم في مجتمع معين. كما تختلف الجريمة السياسية عن الجريمة الداخلية في كونها لا تنطوي على إهدار صارخ للقيم و الأخلاق السائدة في المجتمع كما هو الحال في الجريمة الأخيرة، و لهذا قيل بعدم جواز تسليم المجرمين السياسيين.
          و لم تتعرض غالبية المعاهدات و القوانين الخاصة بالتسليم لتعريف الجريمة السياسية، إلا أننا نجد بعض آراء الفقهاء حول تعريف الجريمة السياسية، فالبعض يرى أنها : " الأفعال التي تثير مخاطر سياسية أو التي تمس مصلحة أساسية ذات طابع سياسي مساسا مباشرا بحكم ما يكون لها من صدى الميدان السياسي ". و عرفها الفقيه دالوز  بأنها : " الجريمة التي تقترف و تكون السياسة هي الدافع أو الغرض إليها...". 

(1) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص86.

 و عرفها الفقيه فابريجيت بأنها : " الأعمال التي يقصد منها بطرق جنائية تحديد أو تحوير أو هدم أو قلب النظام السياسي و إثارة الاضطرابات السياسية أو كراهية لنظام الحكم، فهي إذن الجريمة التي تهاجم بها الحكومة بذاتها مغيرة في نظامها السياسي و حقوقها المعترف بها..." (1).
و عليه فإن الجريمة السياسية هي الجريمة التي يوجه الاعتداء فيها إلى نظام الدولة السياسي القائم بهدف تغييره أو تعديله، و هي تقتصر على الجرائم الموجهة ضد أمن الدولة الداخلي دون الخارجي نظرا لخطورة الجرائم الموجهة ضد أمن الدولة الخارجي، و التي يمكن حصرها في الخيانة و التجسس اللذان لا يمكن اعتبارهما جرائم سياسية.

           و فيما يتعلق بأوجه الاختلاف بين الجريمة السياسية و الجريمة الدولية، نجد أن العرف الدولي درج على عدم جواز التسليم في الجرائم السياسية (2) ، بينما نجد العكس في الجرائم الدولية التي تخضع للتسليم، و قد ترتبط الجريمة الدولية بجرائم أخرى ذات طبيعة وطنية فإن كلا منهما يعتبر منطويا على عدد من الجرائم السياسية الداخلية ، و يعتبر مرتكبوا تلك الجرائم مجرمين عاديين، بينما يعتبر الذين أمروا باقتراف تلك الجرائم مساهمون فيها من ناحية ، و في الجرائم السياسية الداخلية من ناحية أخرى. فالإرهاب مثلا قد يكون داخليا و قد يكون دوليا، ففي الإرهاب الداخلي الذي يميزه إثارة الفزع و الرعب عن طريق استعمال العنف كتفجير القنابل قد يمثل جريمة داخلية، و قد يشكل جريمة سياسية وطنية تبعا للحق المعتدى عليه و الدافع لدى الجاني، فإذا كان بهدف الحصول على مغنم شخص ذي طبيعة مادية فإنه يكون جريمة داخلية، و إذا كان بغرض فرض اتجاه سياسي معين أو تنظيم معين للدولة، فإنه يكون جريمة سياسية وطنية، و يمثل الإرهاب السياسي الداخلي أخطر صور الإجرام السياسي.
و بالتالي إذا كانت الجريمة السياسية جريمة داخلية ينص عليها المشرع الوطني، فإن ما تمثله من إرهاب يختلف عن الإرهاب الدولي الذي يعد جريمة دولية.       

(1) يونس زكور، مقال حول " الجريمة السياسية " ، عدد 1788 بتاريخ 07/01/2007، مركز القوانين
     العربية.
(2) من الاتفاقيات التي نصت على عدم جواز التسليم، المعاهدة الفرنسية البلجيكية في 27/11/1934
     و المعاهدة الأوروبية للتسليم التي تم إعدادها في مجلس أوروبا في 13/12/1957.

و إذا كانت طبيعة الجريمة السياسية تستتبع معاملة خاصة،فإن الجرائم الدولية بصفة عامة   و جرائم الإرهاب بصفة خاصة لا تستتبع هذه المعاملة لمساسها بالنظام العام الدولي و التي قد يرتكبها الفرد أو الدولة، كما أكدت ذلك اتفاقية مكافحة الإرهاب 1937 التي اعتبرت الإرهاب جريمة دولية.  


المطلب الثاني: أركان الجريمة الدولية.

          يقصد  بأركان الجريمة مجموعة الأجزاء التي تتشكل منها الجريمة أو كافة الجوانب التي ينطوي عليها بنيان الجريمة، و التي يترتب على وجودها في مجموعها وجود الجريمة و يترتب على انتفاءها أو انتفاء أحدها: انتفاء الجريمة (1).
و نرى أن الجريمة الداخلية محددة على هدى أركان ثلاث: ركن شرعي، يتمثل في قاعدة القانون الوطنية التي تجرم هذا الفعل على اختلاف مصادرها، و ركن مادي يتمثل في الفعل المادي، و ركن معنوي يتمثل في الذنب أو الخطأ و يعرف بالقصد الجنائي للفاعل.

          و على نفس المنوال تتحدد الجريمة الدولية بهذه الأركان الثلاثة سالفة الذكر مضافا إليها ركن رابع و هو الركن الدولي الذي يمثل خاصية مميزة للجرائم الدولية. و عليه فسأحاول دراسة كل ركن على حدا.

أولا: الركن المادي للجريمة.

          يشترط لقيام الجريمة ـ بصفة عامة ـ أن تتمثل في مظهر مادي ملموس في العالم الخارجي، إذ بغير هذا المظهر لا ينال المجتمع اضطراب، و لا يصيب الحقوق الجديرة بالحماية. و يترتب على هذا القول نتيجتان:الأولى أن القانون الجنائي ـ داخليا كان أم    خارجيـا ـ لا يعتـد بالإرادة وحدها إذا لم تفـضي إلى سلوك خارجي ملموس يعتبر انعكاسا لها


(1) محمود صالح العادلي، المرجع السابق، ص67.

في الواقـع و بعيـدا عن نفسيـة الجـاني. و الثـانية أن الإنسـان وحده هو الذي يتصور أن يكون فاعلا للجريمة، لأنها لا تعتد أن تكون سلوكا إراديا يعتد به القانون (1).
         
          و يراد بالركن  أو الواقعي ذلك النشاط الخارجي الذي ينص القانون على تجريمه عملا بمبدأ قانونية الجرائم و العقوبات، فالنشاط المادي هو صلب الجريمة كفكرة قانونية      و المحرك الأول لفكرة المسؤولية الجنائية، و يترتب على ذلك أنه كقاعدة عامة لا جريمة     و لا عقوبة على مجرد الأفكار و المعتقدات التي تظل في أذهان أصحابها و حتى لو بلغت مبلغ العزم على تنفيذها أو الإفصاح عنها، مادام لم يتجاوز النشاط هذا القدر إلى أعمال أو مظاهر خارجية لا يرضاها القانون.
فالجانب المادي أحد الدعائم التي ترتكز عليها نظرية الجريمة الداخلية و أيضا الجريمة الدولية، بمعنى أن تخلفه كليا أو جزئيا يشكل مانعا ماديا من وجود الجريمة و قيام المسؤولية من بداية الأمر.
          و الجريمة الدولية شأنها شأن الجريمة الداخلية تفترض وجود سلوك أو نشاط إنساني إرادي له مظهر خارجي محسوس يطلق عليه الركن المادي، و يتمثل هذا الركن في سلوك إيجابي أو سلبي يفضي إلى جريمة يؤثمها القانون الدولي الجنائي. فقد ترتكب الجريمة الدولية بسلوك إيجابي كجريمة حرب الاعتداء التي تعتبر أوضح الأمثلة في هذا الشأن أو الحرب الشاملة، و قد ترتكب بسلوك سلبي كارتكاب جريمة إبادة الجنس كما لو تركت بعض أفراد الجماعة بلا غذاء أو ترك الأفراد داخل غرفة غاز (2). و يشترط في هذا السلوك (إيجابي أو سلبي) أن يؤدي إتيانه إلى النتيجة الإجرامية التي يجرمها القانون الدولي الجنائي و أن تكون هناك رابطة سببية بين السلوك و النتيجة الإجرامية.    

1 ـ السلوك الإجرامي:

          تتعدد صور السلوك المحظور، إذ يتخذ صورة السلوك الإيجابي أو السلوك السلبي أو يقوم بمجرد الامتناع.  
 


(1) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص95.
(2) محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص253.   
أ ـ السلوك الإيجابي:

         و يتمثل هذا السلوك في القيام بعمل يحظره القانون و يؤدي إلى قيام الجريمة، فالدولة التي تقوم بشن هجوم على دولة أخرى أو تغزوها أو تضربها بالقنابل أو تفرض عليها حصارا بريا أو بحريا تسلك سلوكا مخالفا للقانون و تقترف جريمة دولية.
و يوجب القانون ( العرف الدولي ) على الدولة أن تمتنع عن ارتكان الأفعال التي تفضي إلى جرائم دولية، فإذا ما خالفت الدولة أمر القانون بالامتناع عن الفعل بأن قامت به فعلا فإن عملها هذا يوصف بأنه سلوك إيجابي نجم عنه جريمة دولية.
          و صورة الفعل الإيجابي المؤدي إلى جريمة هي الصورة الرئيسية الغالبة في القانون، و ذلك لأن تجريم الأفعال يعني حتما النهي عن الأعمال التي تؤدي إلى ارتكابها. فعندما يجرم القانون إبادة الجنس مثلا فإنه ينهي عن كل فعل أو عمل يؤدي إليه، هذا و لا يقتصر النهي عن الأفعال المادية التي تؤدي إلى ارتكاب الجريمة فحسب بل يمتد إلى مجرد التهديد أو القيام بهذه الأفعال (1). فالتهديد باستخدام القوة في جريمة العدوان أمر منهي عنه أيضا.
           و نرى أن القانون الدولي الجنائي يتوسع في التجريم ليشمل الأفعال المادية          و الأعمال التحضيرية أيضا على عكس القانون الجنائي الداخلي الذي يأخذ بقاعدة عدم تجريم الأفعال التحضيرية بوجه عام، إلا ما استثني منها بنص خاص كجريمة مستقلة.       و تكشف المعاهدات و المشاريع الدولية عن هذا الاتجاه الذي يحرم الأفعال التحضيرية، من ذلك ما نصت عليه المادة 6/1 من لائحة نومبرج و التي ورد فيها : " أن كل تدبير أو تحضير أو تخطيط لحرب اعتداء يعد جريمة ضد السلام ".

ب ـ السلوك السلبي:

           يتمثل السلوك السلبي في القانون الدولي الجنائي في إحجام الدولة عن القيام بعمل يستوجب القانون إتيانه مما يفضي إلى عدم تحقق نتيجة يوجب القانون تحققها (3)، و من أمثلة  
(1) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص114.
(2) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص99.
السلوك السلبي: جريمة إنكار العدالة، و جريمة الدولة بالسماح لعصابات مسلحة بالانطلاق من أراضيها، و جريمة عدم التنسيق بين التشريع الوطني و الدولي.

1 ـ جريمة إنكار العدالة:
          استقر العرف الدولي على أنه يجب على الدولة تأمين العدالة بالنسبة للمقيمين على أرضها من الأجانب أسوة بالمواطنين، فإذا أنكرت الدولة هذا الحق صراحة أو ضمنا تكون قد ارتكبت جريمة إنكار العدالة بموجب العرف الدولي الذي يلزمها بوجوب تأمين العدالة للجميع. فلا يجوز للدولة أن تحظر على الأجنبي إمكانية اللجوء إلى المحاكم الوطنية لاستيفاء حقه أو أن تسن قانونا يجعل أمر استيفاء الأجنبي لحقه أمرا غير ممكن أو أن تصدر أحكامها متعمدة في ذلك الإساءة إلى الأجنبي.
إن إنكار العدالة يعد جريمة دولية و يدل على تنكر الدولة لالتزاماتها الدولية، و قد أشارت إلى ذلك صراحة اتفاقية لاهاي 1907 الرابعة ( المادة 23 فقرة ج ) (1).

2 ـ جريمة الدولة بالسماح لعصابات مسلحة بالانطلاق من أراضيها:
          و هو ما نصت عليه المادة 3 من مشروع تقنين الجرائم ضد السلام و أمن البشرية حيث اعتبر من صور الركن المادي للعدوان بطريقة سلبية سماح سلطات الدولة لعصابات مسلحة باستخدام إقليمها كقاعدة لعملياتها، و سماح سلطات الدولة بنشاط منظم يستهدف إثارة حرب مدنية أو تنفيذ أعمال إرهابية في دولة أخرى (2).

3 ـ جريمة عدم التنسيق بين التشريعين الوطني و الدولي:
           توجب بعض المعاهدات على الدول المنظمة إليها بعض الالتزامات المتعلقة بقانونها الوطني، و يتمثل ذلك بموجب اتخاذ الإجراءات و التشريعات اللازمة لجعل القانون الوطني للدولة يتماشى مع التزاماتها الدولية. فإذا امتنعت الدولة المنظمة للمعاهدة عن تعديل قوانينها


 


(1) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص115.
(2) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، 101.

تكون قد خافت التزاماتها و ارتكبت بذلك جريمة دولية.
و تتكرر هذه الصورة في كثير من المعاهدات الدولية و يعتبر النص عليها و العمل بموجبها بمثلبة تأكيد لمبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي.

ج ـ قيام الجريمة الدولية بمجرد الامتناع:

            قد لا تقوم الدولة بأي عمل يقع تحت صورة السلوك الإيجابي أو السلبي و لكنها مع ذلك تمتنع عن عمل لو قامت به لمنعت حدوث الجريمة، مثالها القتل عن منع بيع الدواء لإقليم العدو الذي تحتله الدولة، فهنا تقوم الجريمة الدولية لمجرد الامتناع.
           و يفرق الفقه بين مجرد الامتناع و السلوك السلبي، ففي جرائم السلوك بالامتناع لا تقوم الجريمة إلا إذا تحققت النتيجة، إذ أن الامتناع نفسه ليس مجرما، أما في جرائم السلوك السلبي فإن الدولة تحجم عن عمل من واجبها القيام به و لذا فإن امتناعها نفسه هو المقصود بالتجريم بغض النظر عن تحقق أو عدم تحقق النتيجة.
 و مرد تجريم النتائج التي وقعت بسبب الامتناع يعود إلى تنكر الدولة لالتزاماتها بموجب العرف و المعاهدات الدولية، و عليه فإن امتناع الدولة عن التصرف بما يمنع الجريمة  لغياب أي عرف يلزمها بذلك، لا يكون جريمة الامتناع و لو حدثت الجريمة المنهي عنها.   و على هذا الأساس فإننا لا نخرج عما هو معروف في القانون الدولي الجنائي حيث لا يعتبر الممتنع مسؤولا و لو حدثت الجريمة، إلا إذا خالف التزاما قانونيا أو تعاقديا أو حتى مجرد التزام أدبي يقع على عاتقه (1).

2 ـ النتيجة الإجرامية:

          ينصرف مفهوم النتيجة في القانون الجنائي الداخلي إلى تغيير يحدث في العالم الخارجي كأثر لارتكاب السلوك الإجرامي على النحو السابق ذكره، و هذا التغيير يمثل النتيجة بمفهومه المادي سواء في الجريمة الداخلية أو الجريمة الدولية كأثر لسلوك الجاني.  

 


(1) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص117.
و تشكل الجريمة جزءا لا يتجزأ من هذا السلوك، ذلك أن الأوضاع الخارجية كانت على نحو معين قبل ارتكاب الفعل ثم تغيرت و أصبحت على نحو آخر بعد ارتكابه. و هذا التغيير في الأوضاع الخارجية قد يحدث دون أن ينطوي على جريمة كما لو كان استعمالا لسبب من أسباب الإباحة ، و هنا تتحقق النتيجة بمفهومها المادي دون مفهومها القانوني و قد تنفصل النتيجة عن السلوك الذي أفضى إليها، و هو شأن الجريمة المادية كما هو عليه الحال في الوفاة، و قد تكون متجسدة في هذا السلوك و غير منفصلة عنه كما في الجرائم الشكلية و هي التي تتسم بعدم وجود نتيجة لها متميزة عن السلوك.
          و مفهوم النتيجة في القانون الدولي الجنائي لا يختلف عن مفهومها في القوانين الوطنية (1) فمن أمثلة الجريمة الدولية المادية جريمة العدوان، و تتمثل الجريمة الدولية الشكلية كما في حالة قيام الدولة ببث ألغام مائية تنفجر تلقائيا بمجرد التلامس كما فعلت إيران في بلاد الخليج.

         و أخيرا إذا كانت الجريمة الدولية قد ترتكب بسلوك إيجابي أو سلبي، إلا أنه يشترط في هذا السلوك أن يكون متعقلا واعيا إراديا يرتكب من شخص طبيعي أهلا لتحمل المسؤولية الجنائية. كما أنه يشترط في هذا السلوك أن تتحقق النتيجة الضارة المحظورة في الجريمة الدولية و إذا تحققت هذه النتيجة الضارة ، فإنه يشترط في هذه الحالة أن تكون هناك علاقة سببية بين النشاط و هذه الجريمة.

3 ـ علاقة السببية:

          تمثل علاقة السببية عنصرا من عناصر الركن المادي في الجريمة، سواء أكانت جريمة داخلية أو جريمة دولية فهي تعتبر الصلة التي تربط بين السلوك و النتيجة و تسند النتيجة إلى الفعل لذلك فهي تقتصر فقط على الجرائم المادية ( أي ذات النتيجة) دون الجرائم الشكلية.    
 


(1)  محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص267.


و كما هو معلوم فقد ثار خلاف في الفقه حول تحديد معيار علاقة السببية، مما نتج عنه ظهور ثلاث نظريات: نظرية تعادل الأسباب ( كافة العوامل التي تساهم في إحداث النتيجة الإجرامية متعادلة و متساوية)، و نظرية السبب الرئيسي ( أي تتحدد النتيجة الإجرامية بفعل الجاني دون غيره)، و نظرية السبب الكافي( تميز هذه النظرية بين عوامل النتيجة الإجرامية و تعتد ببعضها دون البعض الآخر).
          و في مجال القانون الدولي الجنائي فإن علاقة السببية بين الفعل و النتيجة لا تختلف عما هو عليه في القوانين الوطنية، إذ يشترط أن يكون الفعل أو السلوك الإجرامي قد أدى إلى النتيجة الإجرامية أو على الأقل أن يكون سببا كافيا يفضي لهذه النتيجة، كما ذهبت إليه النظرية الأخيرة. و يصدق هذا على الجرائم الدولية بشتى أنواعها (1).

·      صور الركن المادي في الجريمة الدولية:

           سبق و أن ذكرت عناصر الركن المادي في الجريمة الدولية، و مع ذلك قد تتخلف النتيجة و نكون بصدد الشروع في الجريمة. و قد لا تتخلف و يساهم في ارتكابها أكثر من شخص إما بوصفه فاعل أصلي أو شريك.

1 ـ الشروع في الجريمة الدولية:

           لا يعاقب القانون على المراحل التي تسبق البدء بتنفيذ السلوك المادي للجريمة كمجرد التفكير فيها، كما لا يعاقب القانون على الأفعال التحضيرية التي يرى الجاني ضرورة الإتيان بها للتحضير لجريمته، أما إذا تجاوز الجاني مرحلة التحضير و مضى في مشروعه الإجرامي فإنه يدخل مرحلة الشروع التي يعاقب عليها القانون. فالشروع إذن هو البدء بتنفيذ العمل الإجرامي أي البدء بتنفيذ الركن المادي للجريمة. و نجد أن الشروع في القانون الداخلي يحكمه نظريتان: النظرية الموضوعية و النظرية الشخصية.


(1) محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص272.



فالنظرية الموضوعية تعتبر أن الشروع يتطلب بدءا بتنفيذ الركن المادي للجريمة أو على الأقل البدء بتنفيذ فعل يعد ارتكابه بمثابة ظرف مشدد للجريمة.
أما النظرية الشخصية فتربط الشروع بنية الجاني، فإذا دلت أعماله و ظروفه على أنه مقدم على ارتكاب الجريمة لا محالة اعتبر أنه شرع في الجريمة.

          و أمام هاتين النظريتين فإنه يؤخذ بالنظرية الشخصية في مجال القانون الدولي الجنائي، و ذلك لأن المذهب الشخصي يتوسع في مفهوم السلوك الإجرامي طالما أن القانون الدولي يجرم الأعمال التحضيرية، فقد جرم القانون الدولي الجنائي الاعتداء أو التحضير أو التخطيط أو التدبير للحرب العدوانية أو حتى الدعاية الإعلامية للحرب، و كلها أعمال تحضيرية جرمها العرف الدولي و سجلتها المعاهدات الدولية.  

          و كما هو معلوم فإن القانون الجنائي الداخلي يعرف عدة صور للشروع، منها الشروع الموقوف ( حيث يبدأ الجاني بارتكاب الجريمة و لكنه لا يتمكن من إتمام كل الأفعال التنفيذية اللازمة لإتمامها، كأن يدخل لص متجرا للسرقة فيلقي عليه القبض قبل تمكنه من المال المسروق)، كذلك الشروع الخائب ( حيث يقوم الجاني بفعله كاملا و لكن النتيجة لا تتحقق كاللص الذي يتمكن من الوصول إلى خزانة الدراهم و يفتحها لكنه يجدها فارغة)      و أخيرا هناك الشروع في الجريمة المستحيلة ( حيث يسلك الجاني كل ما يؤدي إلى النتيجة و لكنها لا تقع بسبب أنها مستحيلة الوقوع كمن أغمد خنجره في صدر خصمه يريد قتله      و تبين أن الضحية مات قبل وقوع الفعل).

         و فيما يتعلق بالشروع في الجريمة الدولية فإنه يؤخذ بنظرية الشروع و العقاب عليه في القانون الدولي الجنائي كما هو معروف في القانون الجنائي الداخلي، دون أن نعير أي أهمية للتمييز بين صور الشروع أو بين الشروع و الجريمة التامة (1). و نرى أن المشرع في نظام روما الأساسي يجرم الشروع في الجريمة حسب ما جاء في نص الفقرة 3/ب من المادة 25 من النظام المذكور (2).  
 

(1) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص121.
(2) عبد الفتاح بيومي حجازي، المرجع السابق، ص113.
2 ـ المساهمة الجنائية في القانون الدولي الجنائي:

           يأخذ القانون الدولي الجنائي في نظرية المساهمة الجنائية بالتسوية الكاملة بين المساهمين في الجريمة في جميع مراحلها المعاقب عليها ابتداء من الأعمال التحضيرية للجريمة حتى مرحلة التنفيذ الكامل لها (1). و قد نصت المادة 6 من لائحة نومبرج، و المادة 5 من لائحة طوكيو على معاقبة المدبرين و المحرضين و الشركاء الذين ساهما في رسم    أو تنفيذ خطة أو مؤامرة لارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في كلتا اللائحتين    و أنزلتهما منزلة الفاعل الأصلي. و عليه فإن السلوك في القانون الدولي الجنائي يتخذ صورة أوسع من الصورة التي هي عليه في القانون الداخلي، إذ يشمل التآمر و التدبير و التنظيم     و المساعدة و التحريض و كل صور المشاركة الأخرى الخاصة بالإعداد للجريمة            أو اقترافها.

ثانيا: الركن المعنوي للجريمة الدولية.

           يقصد بالركن المعنوي الجانب الشخصي أو النفسي في الجريمة، فهو الرابطة المعنوية أو الصلة النفسية أو العلاقة الأدبية التي تربط ماديات الجريمة بنفسية الفاعل بحيث يمكن أن يقال بأن الفعل المقترف هو نتيجة إرادة الفاعل.
و بتوافر هذه الصلة تقوم المسؤولية و تنعدم بعدم توافرها، و يعد اشتراط الركن المعنوي ضمانا لتحقيق العدالة التي تقضي بأن يوقع الجزاء على المخطئ. و نرى أن تحقق الركن المعنوي في الجريمة الداخلية مرهون باتجاه إرادة الجاني إلى وجهة يؤثمها القانون، فهو يمثل رابطة نفسية بين الجاني و بين الركن المادي للجريمة، و يطلق عليه الإثم الجنائي      و صورته القصد الجنائي و الخطأ غير العمدي.   

  


(1)           محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص289.         


·      صور الركن المعنوي للجريمة الدولية:

1 ـ القصد الجنائي في القانون الدولي الجنائي:

          لا يختلف مفهوم القصد الجنائي في القانون الدولي الجنائي عنه في القانون الداخلي  و يقوم على ذات العنصرين العلم و الإرادة. و يعرف القصد الجنائي بأنه علم الجاني بكافة العناصر المكونة للجريمة و انصراف إرادته إلى إحداثها، و هو ما يسمى بالقصد المباشر أو الأصيل (1)، و هناك صورة ثانية يقال لها القصد الاحتمالي و فيها ينصرف علم الجاني إلى إمكان تحقق النتيجة و يرتضيها، فهو لا يسعى إلى تحقيقها منذ البداية و لكنه لا يمانع في ذلك أي يستوي لديه تحققها أو تخلفها.و القصد المباشر كان مجمعا عليه في كافة التشريعات و هو الأمر الذي يختلف عنه بالنسبة للقصد الاحتمالي.
         و نرى أن مفهوم القصد الجنائي في القانون الدولي الجنائي لا يختلف عنه في القانون الداخلي ـ كما سلف لي القول ـ فهو محل إجماع بين كافة فقهائه و سجلته كافة المواثيق الدولية. و من ناحية أخرى فإن فكرة القصد الاحتمالي ظفرت بدورها بهذا التأييد، بل و قد جاوزت مجالها في القانون الداخلي إذ يسوي الفقه الجنائي الدولي دائما بينها و بين القصد المباشر بحجة أن موقف الجاني في الحالتين محل تأثيم و أن النتيجة الإجرامية قد تحققت بإرادة.
           كما أن التسوية بين نوعي القصد لها أهمية خاصة من ناحيتين: الأولى أن الطبيعة العرفية للقانون الدولي قد صبغت الجريمة الدولية بصبغة تختلف تماما عن مثيلتها في الجريمة الداخلية و مؤدى هذه الصبغة هو عدم وضوح فكرتها. و الثانية أن الجريمة الدولية تقع مستندة على بواعث من نوع خاص و غالبا ما تتم بتكليف من الغير فلا يرتكبها الجاني لتحقيق غرض شخصي ، و هذا ما يؤدي بنا إلى القول بصعوبة توافر القصد المباشر و أن ارتكابها في أغلب الأحوال يكون مقترنا بقصد احتمالي فجرائم الحرب مثلا تتم إثر توجيه من سلطات الدولة و قد يضطر منفذوها إلى إتيانها عن عدم رغبة أو عدم اقتناع .   


 


(1) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص117.
  
كما يعرف القانون الدولي الجنائي صورة سبق الإصرار باعتباره صورة مكثفة للقصد الجنائي، و ظهر ذلك في جرائم الحرب العالمية الثانية التي تضمنتها لائحتا نومبرج          و طوكيو.
           كما يعترف القانون الدولي الجنائي بفكرة القصد الخاص (1) الذي نصت عليه صراحة المادة 2 من اتفاقية مكافحة و معاقبة إبادة الأجناس ، التي تستلزم أن ترتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بقصد تدمير جماعة وطنية أو طائفية أو جنسية   أو دينية بصفة كلية أو جزئية.

2 ـ الخطأ غير العمدي في القانون الدولي الجنائي:

          قد تقع الجريمة بدون قصد مع ذلك يسأل الجاني لأنه لم يتجنب وقوعها إذا كان باستطاعته توقعها و تجنبها. و يجد الخطأ تطبيقاته في القانون الداخلي على نحو يفوق كثيرا تطبيقاته في القانون الدولي، ذلك أن الجرائم الدولية في مجملها جرائم عمدية. لكن ذلك لا يمنع من وجود جرائم دولية غير عمدية ، فالضابط الذي يقصف إحدى المدن بهدف ضرب العسكريين و لكنه يخطئ و يصيب الأبرياء يرتكب الجريمة الدولية خطأ إذا أثبت أنه أهمل أو لم يحتط للأمر .
          و مع قلة أهمية الخطأ غير العمدي لندرة وقوعه و صعوبة إثباته، يظل القصد الجنائي هو الأصل و الصورة الأعم في قيام الركن المعنوي في الجرائم الدولية (2).

·      موانع المسؤولية الجنائية:

           من المتفق عليه في القانون الداخلي أن المسؤولية تمتنع لعدة أسباب كالجنون        و صغر السن و الإكراه، و بعض هذه الأسباب لا يمكن القول بها في القانون الدولي الجنائي لعدم اتفاقها مع فكرة الجريمة الدولية كالجنون و صغر السن.   
(1) القصد الخاص هو الذي يسعى بمقتضاه الجاني إلى تحقيق غاية أخرى تجاوز مجرد النتيجة الأصلية
      في الجريمة.
(2)           عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص140.

          ذلك أن الجريمة الدولية لا ترتكب في لحظة و لا يقدم على ارتكابها مجنون أو حدث بالنظر لما تستوجبه من إعداد و تجهيز سابقين، لكن من الممكن تصور ارتكابها تحت ضغط الإكراه سواء كان ماديا أو معنويا.كما ثارت مشكلة في الفقه و القضاء الدوليين تتعلق بمدى علم الجاني بعدم مشروعية فعله و أثره على المسؤولية.
         و لذلك سأتناول دراسة كل من الإكراه و حكم الجهل و الغلط في الوقائع القانونية كمانعين من موانع المسؤولية الجنائية الدولية.

1 ـ الإكراه في القانون الدولي الجنائي:

           و الإكراه نوعان مادي و معنوي، و كلاهما يؤثران في المسؤولية الجنائية.

أ ـ الإكراه المادي:

          صورة ذلك أن يتعرض المرء لقوى مادية خارجية لا قبل له بردها تعدم إرادته      و تحمله على ارتكاب الواقعة الإجرامية، كأن يمسك شخص بيد المرء و يضع بصمة إبهامه على وثيقة ما فالمكره ينفذ الجريمة بجسمه لا بعقله. فالإكراه المادي نوع من الضغط يسلب إرادة المكره بصفة مطلقة لإكراهه على القيام بالعمل المجرم.
          و يلعب الإكرام المادي في القانون الدولي نفس الدور كما في القانون الداخلي، سواء بسواء، فمن أكره على ارتكاب الجريمة الدولية يكون كمن أكره على ارتكاب الجريمة الداخلية إذ تنعدم إرادته و لا يمكن أن ينسب له الجريمة المقترفة، فالوزير الذي أجبر على توقيع قرار الحرب العدوانية لا يعد مسؤولا، إذا ثبت أنه أكره على ذلك إكراها ماديا. فالإكراه المادي ينفي الركن المعنوي بل و ينفي الركن المادي ذاته (1).   


 


(1)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص133.   


ب ـ الإكراه المعنوي:

           على العكس من الإكراه المادي فإن الإكراه المعنوي لا ينفي الركن المادي للفاعل  و إنما يقتصر على مجرد التأثير في الإرادة الحرة التي تدفع الجاني نحو القيام بالنشاط الإجرامي. و يتحقق الإكراه المعنوي في حالة وجود ضغط من شخص على إرادة شخص آخر لحمله على إتيان سلوك إجرامي معين.
           و قد يتخذ الإكراه المعنوي في الجريمة الدولية صورة الأمر الصادر من رئيس الدولة لقادة الجيوش الذين يقومون تنفيذا لرغبة الرئيس بارتكاب جريمة شن عدوان على دولة أخرى . و هذا ما يؤكد أن الجريمة الدولية غالبا ما تتم بوحي من الغير و ليس بوحي من فاعلها أو حسابه الخاص.
          و قد ظهر تقبل الفقه لفكرة الإكرام كمانع من موانع المسؤولية بعد الحرب العالمية الثانية، و هو يقدر على أسس شخصية لا موضوعية أي بالنسبة لحالة الشخص المكره       و الظروف التي أحاطت به (1).

2 ـ الجهل و الغلط في الصفة الإجرامية للفعل:

           يقصد بالجهل عدم العلم، أما الغلط فهو العلم على نحو غير صحيح. و كما هو معلوم فإن القانون الدولي الجنائي ذو صفة أصلية عرفية ، لم يحظى قواعده في غالبها بتقنين يفضي عليها الوضوح و الدقة. فمن قواعده التي يكتنفها الغموض " قاعدة افتراض العلم بأحكامه" فكثيرا ما يكون فاعل الجريمة الدولية غير عالم بصفتها الآثمة، فمثلا الفعل الذي يترتب عليه إغراق سفينة تجارية مسلحة تسليحا دفاعيا دون إنذار سابق، فقد كانت صفته الإجرامية محل خلاف بين أغلب دول أوروبا من ناحية، و ألمانيا و الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى؛ حيث ذهب الفريق الأول إلى اعتباره عملا غير مشروع يستوجـب المحـاكمة الجنـائية، بينمـا ذهب الفريـق الثاني إلى عـدم اعتباره كذلك بحجة أنـه لا

 

(1) محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص315.

يجوز تزويد السفينة التجارية بأي نوع من الأسلحة. في مثل هذه الحالة و غيرها يأتي الجاني فعلته تنفيذا لأمر الرئيس و قد يحمله هذا على الاعتقاد بمشروعية فعله و أن ما يقوم به من قبيل المعاملة بالمثل.
           و لذلك رأى الفقهاء أن مرتكب الجريمة الدولية يمكنه دفع مسؤوليته بعدم إحاطته بالصفة غير المشروعة لفعله، ذلك أن العلم بالقانون العرفي أو الاتفاقي يجب أن يكون متوافرا لديه  حتى يمكن القول بتوافر القصد الجنائي. فإذا ثبت عدم العلم بالصفة الآثمة للفعل المرتكب ( الجهل) أو الإحاطة بها على نحو غير مطابق لإرادة الشارع ( الغلط)، فإن كلا من الموقفين يجب أن يكون سببا لدفع مسؤولية الجاني . و معنى ذلك أن الغلط في القانون الدولي الجنائي يأخذ نفس الحكم المقرر للغلط في الوقائع فبكليهما ينتفي القصد الجنائي لتخلف أحد عنصريه و هو العلم.

           و الخلاصة أن المسؤولية الدولية الجنائية تمتنع في حالتي الإكراه ـ المادي           و المعنوي ـ و عدم الإحاطة بالصفة الإجرامية للفعل المرتكب (1).

ثالثا: الركن الشرعي للجريمة الدولية.

          يقصد بالركن الشرعي الصفة غير المشروعة للسلوك، و التي تضفى عليه متى توفر أمران:
 أولهما: خضوع السلوك لنص تجريم يقرر فيه القانون عقابا لمن يقترفه.
ثانيهما: عدم خضوعه لسبب إباحة.
فالجريمة سلوك غير مشروع  متى كان القانون يجرمه، فلا جريمة وطنية أو دولية إذا كان السلوك مشروعا بحسب الأصل أو لاقترافه وقت ارتكابه بسبب من الأسباب التي ترفع عنه وصف عدم المشروعية (2).   



 


(1) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص129.
(2) محمود صالح العادلي، المرجع السابق، ص68.   



·      أسباب الإباحة في الجريمة الدولية:

           يقصد بأسباب الإباحة في القانون الداخلي الأحوال التي يعتبرها القانون سببا كافيا لتجريد الفعل غير المشروع من صفته الإجرامية و إخراجه من دائرة التجريم و إعادته إلى نطاق المشروعية.
 و أسباب الإباحة أسباب موضوعية ترد على الفعل نفسه لتخرجه من دائرة الإباحة و ذلك بإسقاطها الركن الشرعي للجريمة، و من هذه الأسباب في القوانين الداخلية: طاعة القانون   و تنفيذ أمر السلطة، و الدفاع الشرعي، و حالة الضرورة.
           و يتماشى القانون الدولي الجنائي مع هذا الاتجاه و يقر أسباب الإباحة التي تتمثل في: المعاملة بالمثل، و الدفاع الشرعي، و حالة الضرورة، و إطاعة الأمر الصادر من رئيس، و رضاء المجني عليه (1).

1 ـ المعاملة بالمثل:

          تتمثل المعاملة بالمثل في رد فعل الدولة المعتدى عليها ضد الدولة المعتدية بعمل غير مشروع مماثل، فرد الفعل هذا يعد عملا غير مشروع من حيث الأصل و لكنه يعد عملا مبررا يخلو من معنى الاعتداء ، إذ يقصد منه مجرد مقابلة الشر بشر مثله.
          و تختلف المعاملة بالمثل عن رد الفعل العكسي، فالأولى عمل غير مشروع يتمثل في مخالفة قواعد القانون الدولي، بينما الرد العكسي عمل مشروع تتخذه الدولة ردا على إجراءات سابقة اتخذت ضدها كامتناع الدولة عن السماح لسفن دولة أخرى بالرسو في موانئها ردا على إجراء سابق مماثل.

 



(1)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص145.

          كما تختلف المعاملة بالمثل عن الدفاع الشرعي، من حيث أن المعاملة بالمثل تفترض ردا على فعل قام و انتهى، فيحين يفترض الدفاع الشرعي مقاومة اعتداء على وشك الوقوع لمنعه من الوقوع أو لمنع اعتداء وقع و لم ينته بعد من أجل الحد من استمراره.

          و يمكن تعريف المعاملة بالمثل بأنها: " أفعال غير مشروعة تقوم بها دولة ما ردا على أفعال غير مشروعة وقعت عليها من قبل دولة أخرى لإرغام الدولة المعتدية على الكف عن عدوانها ".
و نظرا لخطورة هذا المبدأ الذي يبرر للدولة أن تنتصف بنفسها، فقد ذهب اتجاه فقهي حديث إلى المطالبة بإلغائه باعتباره من مخلفات العرف التقليدي القديم الذي لا يتماشى مع الأعراف المستجدة التي تمنع الدول من اللجوء إلى الحرب لتسوية خلافاتها، و يشترط لتطبيق هذا المبدأ ما يلي:
ـ أن يكون الفعل غير المشروع الذي قامت به الدولة ردا على فعل غير مشروع سبقه
  من قبل الدولة الأخرى.
ـ أن يكون هذا الفعل غير المشروع متناسبا مع العدوان الذي تعرضت له الدولة.
ـ أن يكون اختيار الدولة للقيام بالعمل غير المشروع مبني على أساس استحالة حصولها على رد العدوان أو الحصول على حقها المهدور بالوسائل السلمية.
         فتوافر هذه الشروط يجعل عمل الدولة غير المشروع ردا على الاعتداء الذي سبقه عملا مبررا.

2 ـ الدفاع الشرعي:

           من المسلم به فقها و قضاءا أن حق الدولة في الدفاع عن نفسها حق طبيعي مستمد من وجودها، و يعمل القانون الدولي على تنظيم مباشرته دون المساس بأصله.
          و شروط الدفاع الشرعي في القانون الدولي الجنائي طبقا لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة يرتكز على شرطين هما: العدوان و الدفاع. و قد سبق العرف الدولي الذي يعد مصدرا للقـانون الجنـائي الدولي ميثـاق الأمم المتحدة في بيـان شروط الدفاع الشرعي بصدد



حادثة الكارولين (1)، و قد استخلص الفقه من هذه الحادثة أن  شروط الدفاع الشرعي تتمثل في المخالفة الدولية السابقة و الضرورة الشاملة على النحو الذي لا يترك حرية في اختيار الوسيلة و أن يكون هناك تناسبا بين خطر الاعتداء و القوة المستخدمة في رده.


  
·      شروط الدفاع الشرعي في القانون الجنائي الدولي:

          يتبنى الفقه الدولي شروط الدفاع الشرعي المعروفة في القانون الداخلي، مع فروقات طفيفة  و هي شروط متطلبة في فعل العدوان المنشئ لحق الدفاع، و شروط متطلبة في الدفاع.


1 ـ الشروط المتطلبة في العدوان:

           يرتبط حق الدفاع بوجوب وجود عدوان سابق أصاب الدولة المعتدى عليها          و التي لها حق دفعه بعمل غير مشروع مضاد صونا لحقها و دفاعا عن نفسها و من شروط
          


 


(1) وقعت تلك الحادثة في 29/12/1837 عند قيام قوة كندية صغيرة بعبور الشـاطئ الأمريكـي من نهـر         النياجرا مهاجمة زورقا تجاريا أمريكيا يحمل اسم الكارولين ، كان يستخدم في نقل المؤن و الذخيرة        إلى القوات الثائرة  في كندا التي كانت تخضع وقتئذ لبريطانيا و أسفر الهجوم عن مقتل شخص واحد       و فقد 12 أمريكيا ، و قد دفعت بريطانيا مسؤوليتها بأنها كـانت في حالـة دفـاع شرعي غيـر أن وزير        خارجية أمريكا  بعث رسالة إلى السفير البريطاني فوكس في واشنطن قرر فيه أن العمل البريطاني         لايمكن اعتباره مشروعا إلا إذا أثبتت بريطانيا توافر الضرورة الملحة و الشاملة على النحو الذي لم          يتركوا الحرية في اختيار الوسيلة و فرصة للتدبر في الأمر ، فضلا عن إثبات أن السلطات المحلية         في    كندا، على فرض توافر الضرورة الملـجئة التي اضطرتها إلى تخطي الحدود الأمريكية ، لم            ترتكب  عملا مبالغا فيه.
هذا العدوان (1):
أ ـ أن يكون العدوان حالا و مباشرا:
          بأن يكون العدوان قد بدأ بالفعل و لكنه لم ينته بعد، فحسب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لا يثور حق الدفاع الشرعي إلا إذا كان الخطر حالا، و في هذه الحالة لا ينشأ حق الدفاع الشرعي الوقائي في حالة العدوان المسلح الوشيك الوقوع و العدوان المسلح في المستقبل(2).
ب ـ أن يكون العدوان مسلحا:
          و هو شرط لا نجد له في القانون الداخلي، و يفهم بالاعتداء المسلح تحريك الجيوش أو الغزو و غير ذلك من الأعمال التي يستعمل فيها السلاح، و لا يشترط نوع محدد من السلاح أو كمية بعينها منه  و لكن يشترط أن يكون هذا الاستعمال على درجة من الخطورة  و الفعالية.
ج ـ أن يرد العدوان على أحد الحقوق الجوهرية للدولة:
          باعتبار الدولة شخصا معنويا فإن الاعتداء عليها ينحصر في الأعمال العدوانية التي تصيب حقوقها الأساسية التي تتمثل في حقها في سلامة إقليمها، و حقها في سيادتها الوطنية و حقها في استقلالها الوطني.  
و يتحقق العدوان على الإقليم عندما تتجاوز الدولة المعتدية حدود الدولة المعتدى عليها بالهجوم أو الغزو فتكون الدولة الضحية في حالة دفاع شرعي بشرط يقيدها بشروط الدفاع.




 
(1) وجدت اتجـاهات عدة في تعـريف العدوان؛ الاتجـاه الأول قــال بالتعريف العـام و الذي مـؤداه " كـل
     استخدام للقوة أو التهديد به من قبل دولة أو حكومة ضد دولة أخرى أيا كانت الصورة و أيا كان نوع       السـلاح المستخــدم و أيـا كـان السبب أو الغـرض و ذلك في غيـر حــالات الدفـاع الشـرعي الفــردي
    أو الجماعي أو تنفيذ قرار أو أعمال توصية صادرة عن أحد الأجهزة المختصة بالأمم المتحدة"
    الاتجاه الثـاني قال بالتعريـف الحصري للعدوان فقد ذكر أفعالا محددة دقيقة تشكل حربا عدوانية كغزو
    الدولة لإقليم دولة أخرى . أمـا الاتجاه الثـالث فهو توفيقـي بين الاتجـاهين حيث يقوم على وضع صور        للعدوان على سبيل المثـال دون الحصـر، حتى يكـون هنـاك إمكـانية لاستيعـاب الصور الجديـدة من
    العدوان التي قد تستجد. أنظر عبد الفتاح بيومي حجازي، المرجع السابق، ص 219 إلى 223.
(2)  محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص186.
و يتمثل العدوان على سيادة الدولة في قيام الدولة الأجنبية بمنع الدولة الضحية من ممارسة كل أو بعض حقوقها، فإذا مارست الدولة المعتدية هذا المنع بواسطة الاعتداء المسلح قام حق الدولة المعتدى عليها في الدفاع الشرعي (1).
و قد استقر العرف الدولي على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها و استقلالها، و عليه فأي دولة تمنع شعبا من هذا الحق تعد دولة معتدية يحق عندئذ لهذا الشعب القيام بأعمال العنف المبررة تحقيقا لاستقلالها الوطني.

2 ـ الشروط المتطلبة في الدفاع:

         إذا وقع الاعتداء بالشروط السالفة الذكر جاز للدولة المعتدى عليها أن تقوم بالرد المباشر و لا يتصف عملها بالعدوان ، إذا تقيدت بالشروط التالية:
ـ أن يكون الدفاع الوسيلة الوحيدة لصد العدوان.
ـ أن يوجه الدفاع إلى مصدر العدوان، أي أن يوجه الرد إلى الدولة المعتدية.
ـ أن تكون القوة المبذولة للرد متناسبة معه، أي الرد في  حدود القدر الكافي لصد العدوان.
         
         و إذا تمسكنا بنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة و التي تربط حق الدفاع الشرعي بتدخل مجلس الأمن، فإن الدولة المدافعة لا يجوز لها الاستمرار في الرد بعد التدابير التي يتخذها مجلس الأمن فإذا واصلت أعمالها بعد قرار مجلس الأمن فلا يعد دفاعا شرعيا و يمكن اعتباره جريمة دولية.و تجدر الإشارة إلى أن نص المادة يجيز حق الدفاع الشرعي الجماعي، الذي يعطي للدولة حق الدفاع الشرعي عن دولة أخرى بشرط أن تكون تلك الدولة الأخرى بحالة دفاع شرعي و تربطها بها اتفاقية سابقة على العدوان ضمن تنظيم إقليم أو دفاع مشترك منشئ لهذا الحق.

         تجدر الإشارة أخيرا أن الدفاع الشرعي في نظام روما الأساسي يعتبر مانعا من موانع المسؤولية و ليس سببا من أسباب الإباحة ، كما أنه محصور في جرائم الحرب فقط  و ذلك حسب نص المادة 31 فقرة 1 ج.

(1)          عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص155.

3 ـ حالة الضرورة:

          تتمثل حالة الضرورة في القوانين الجنائية الداخلية في خطر حال أو وشيك الوقوع في بعض التشريعات يهدد مصلحتين أو أكثر مشروعتين بحيث لا يمكن صيانة إحداها دون إهدار الأخرى.
و أساس حالة الضرورة أن القانون لا يتطلب من الشخص أن يضحي بمصلحته في سبيل إقرار مصلحة الغير، كما أن القانون يستسيغ إهدار بعض المصالح في سبيل صيانة الأخرى.
و يشترط في فعل الضرورة أن يكون لازما لدرء هذا الخطر و متناسبا مع قدره.
  
          و حالة الضرورة لا يختلف جوهرها في ظل القانون الدولي الجنائي عن نظيره في القانون الداخلي، إلا أن تطبيقها من الضآلة بمكان لعدم صلاحية الأساس الذي يستند إليها في القانون الداخلي للتطبيق في مجال القانون الدولي الجنائي، فمبدأ حق البقاء من الصعوبة تطبيقه على الدولة لكونها شخص معنوي مجرد من الغرائز البشرية، كما أنه من الصعوبة أيضا تطبيق مبدأ المصلحة الأرجح في العلاقات الدولية لأنه ليس من وظيفة القانون الدولي تقييم المصالح الخاصة بالدول.

          و يترتب على اختلاف أساس حالة الضرورة في المجال الدولي صعوبة الأخذ بها كسبب إباحة أو كمانع للمسؤولية للأسباب التالية:
ـ عدم وجود سلطة قضائية دولية تتكفل بالتحقق من توافر شروط حالة الضرورة.
ـ الاعتراف بها يؤدي إلى إهدار المبادئ التي يسعى القانون الدولي إلى إقرارها.
ـ أن صعوبة التطبيق تتجلى بصورة أوضح في فترات الحروب حيث تتضارب مصالح الدول المتحاربة، و يترتب على الاعتراف بحالة الضرورة الاعتراف بها للدولة المعتدية    و ذلك تطبيقا لمبدأ المساواة بين الدول المتحاربة و هو ما لا يتفق مع اعتبارات العدالة في شيء. من أجل هذا رفضت محكمتا نومبرج و طوكيو دفوع المتهمين كبار مجرمي الحرب الخاصة بحالة الضرورة و لم تريا ما يبرر جرائمهم (1).  


(1)  حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص86.

           و فيما يتعلق بحالة الضرورة في نظام روما الأساسي، فإنه لابد من توافر شروط لوجودها  و ذلك حسب ما جاءت به المادة 31 فقرة 1 د و تتمثل هذه الشروط في:
ـ وجود خطر: أي أن يكون الخطر موجودا فعلا، و هنا نشير إلى أن المادة تعتد بالخطر المستقبلي وشيك الوقوع، كما تشترط بأن يكون الخطر جسيما يهدد ذلك الشخص أو شخص آخر و أم يكون الخطر صادرا من أشخاص آخرين أو عن فعل خارج عن إرادة الشخص.
ـ شرط فعل الضرورة: يشترط في فعل الضرورة أن يكون متناسبا مع الخطر، أي لا يرد الشخص الضرر بضرر أكبر من ذلك الذي كان يهدده.

4 ـ إطاعة الأمر الصادر عن رئيس:

           يرى البعض من الفقه أن تنفيذ الأمر الصادر من رئيس تجب طاعته يعد مانعا للمسؤولية، بحجة أن أسباب الإباحة أسباب موضوعية تزيل الصفة غير المشروعة عن الفعل فيستفيد منها الجميع ، لكن مسؤولية المرؤوس تعتمد في كل حالة على حدة بمدى توافر شروط محددة لإعفائه من المسؤولية (1) ، فيحين يرى البعض الآخر أنه يعد سببا من أسباب الإباحة.
          أما في نظام روما الأساسي فإنه يعتبر إطاعة أمر الرئيس مانعا من موانع المسؤولية، لكنه كقاعدة عامة و حسب نص المادة 33 لا يعترف به كمانع من موانع المسؤولية إلا استثناءا و في حالات مذكورة على سبيل الحصر، حيث حددت المادة السالفة الذكر 3 حالات يتم من خلالها إعفاء الشخص من المسؤولية الجنائية و هي:
ـ إذا كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني: و معنى ذلك   وجود التزام قانوني لا يمكن للشخص المرؤوس التنصل منه.
ـ إذا لم يكـن الشخص على علـم بأن الأمر غير مشـروع: و هنـا يكـون الأمر الصـادر عـن         الرئيس مشوبا بجهل أو غلط مخالف للقانون، فيأتيه هذا الأخير معتقدا بمشروعيته.
ـ إذا لم تكن عدم مشروعية الأمر ظاهرة: أي يصعب التحقق من حالة عدم المشروعية.      و تكون عدم المشروعية ظاهرة في جريمتين هما جريمة الإبادة و جرائم الإنسانية و ذلك بحسب الفقرة2 من المادة 33.    

(1)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص165.
5 ـ رضاء المجني عليه:

          لا تقر غالبية التشريعات الداخلية برضاء المجني عليه كسبب من أسباب الإباحة     و هو الأمر كذلك في القانون الدولي الجنائي ذلك أن العبرة في عدم مشروعية الفعل بما يتضمنه القانون الدولي الجنائي من أحكام سواء وردت في العرف الدولي أو المعاهدات الدولية، و نظرا لسمو القانون الأخير على القانون الداخلي فإن الفعل يعد جريمة دولية و لو لم تكن له هذه الصفة في القانون الداخلي، و يقرر القانون الدولي الجنائي هذا الحكم سواء كانت الجريمة واقعة على الدولة كما في رضوخ إحدى الدول لإجراءات ضارة بمصالحها تحت تأثيرات صادرة من دولة لها نفوذ، كما قد تقع الجريمة على شخص متمتع بالشخصية الدولية كما لو وقع أسيرا لديها، و في الحالتين يكون الرضاء غير صحيح لصدوره من إرادة معيبة.أما إذا كان انعدام الرضا ركنا في الجريمة الدولية فإن توافره يحول دون قيامها.       و يؤكد ذلك ما نصت عليه المادة 52 من الاتفاقية الثالثة من اتفاقية جنيف الخاصة بمعاملة أسرى الحرب من خطر تشغيل أسرى الحرب في الأعمال الضارة بالصحة ما لم يكن ذلك برضاه (1).

رابعا: الركن الدولي للجريمة الدولية.

           و هو الركن الذي يميز الجريمة الدولية عن الجريمة الداخلية، و لهذا الركن جانبان:
الأول شخصي: و يتجسد في ضرورة أن تكون الجريمة الدولية ترتكب باسم الدولة أو برضاء منها، فصحيح أن السلوك في الجريمة الدولية يرتكبه الشخص الطبيعي غير أنه لا يرتكبه بصفته الشخصية، و إنما يرتكبه بناءا على طلب من الدولة أو برضاء منها أو باسمها.
و الثاني موضوعي: و يتمثل في أن المصلحة المشمولة بالحماية لها صفة دولية (2).
و تنبع أهمية هذا الركن الدولي من أن وجوده يترتب عليه إضفاء وصف الدولية على الجريمة و بانتفائه ينتفي هذا الوصف.


(1) محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص226.
(2) محمود صالح العادلي، المرجع السابق، ص69. 
* شروط الركن الدولي:

          يشترط لتحقق صفة الدولية في الجريمة أن يكون الفعل أو الامتناع المؤدي إليها يمس مصالح أو قيم المجتمع الدولية، أو إذا هرب مرتكبوا الجريمة إلى دولة أخرى غير التي ارتكبت بها الجريمة، كما يتحقق الركن الدولي إذا وقعت الجريمة الدولية بناءا على خطة مدبرة أو تدبير من دولة ضد دولة أخرى. كما يتوافر هذا الركن في الأفعال الإجرامية التي ترتكبها بعض المنظمات الإرهابية إذا كانت موجهة إلى دولة ما و لو لم تكن هناك دولة تدبر على ارتكاب هذه الجرائم ضد دولة ، فلا يشترط لتحقق الركن الدولي أن تصدر الأفعال الإجرامية من دولة ما بل يكفي ارتكابه ضد دولة أو أن يفر الجناة إلى دولة أخرى كما في جرائم الإرهاب. كما تكتسب الجريمة صفة الدولية إذا وقعت على النظام السياسي الدولي كالجريمة ضد السلام، أو لمجرد ترويع الضمير العالمي و بث الرعب في نفوس الناس على الرغم من ارتكابها فوق إقليم محدد و ترتبت آثارها فوق هذا الإقليم.
و ننبه هنا إلى أن عدم توافر هذه الشروط يجعل الجريمة داخلية كما في الحالات التالية:
ـ أن يدخل الفعل في الاختصاص القضائي الوطني باعتبار أن الجريمة وقعت على إقليم الدولة و تنطبق عليها قوانينها كجرائم الحرب المرتكبة من مواطني الدولة ضد أبناء إقليمهم.
ـ قد يدخل الفعل في الاختصاص العالمي أو الشامل للقانون الوطني على أساس التعاون      و التضامن الدولي، وبناء على التزام دولي ينص عليه القانون الدولي و لو لم تكن الجريمة مرتكبة كلها أو بعضها على إقليم الدولة كأن ترتكب في مكان آخر أو في البحر و وقع الجاني في يد الدولة (1).
         و نرى أن الأصل في الضحية أن تكون الدولة، إلا أنه قد تكون الضحية فئة أو جماعة من الناس كجرائم التمييز العنصري، كما قد تقع الجريمة ضد شعب مقهور كما في حالة الاستعمار.
         و يعطي الركن الدولي للجريمة بعدا خاصا إذ يجعلها تتسم بالخطورة و ضخامة النتائج، لذا فإنها لن تكون و حتى في أبسط صورها إلا جنايات إذ يصعب تكييف جريمة دولية على أنها جنحة أو مخالفة (2).
 


(1) محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص328.
(2) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص143.  
المطلب الثالث: دعوى الجريمة الدولية.

          سبق لنا في المطلب السابق أن عرفنا أركان الجريمة الدولية التي يجب توافرها جميعها لكي نكون بصدد جريمة ، و متهم مرتكبا لها يلزم عقابه و لإمكان توقيع العقاب على المتهم حدد القانون الدولي الجنائي خطوات قانونية يلزم السير عليها لعقابه، تبدأ برفع دعوى من الدولة التي تضررت إلى المحكمة الدولية المختصة التي قد تصدر أحكامها بالإدانة أو البراءة . و هذا ما سأتناوله تبعا.

أولا: مفهوم الدعوى الجنائية الدولية.

          تعرف الدعوى عموما بأنها المطالبة بالحق عن طريق اللجوء إلى القضاء، أما الدعوى الجنائية فتتمثل في مطالبة النيابة القضاء باسم المجتمع أن يوقع العقوبة على المتهم. بينما تعرف الدعوى الجنائية الدولية بأنها ذلك الطلب الموجه من الدولة بوصفها تقوم بوظيفة النيابة العامة الدولية (1) إلى القضاء لإقرار حقها في العقاب عن طريق إثبات وقوع الجريمة و نسبتها إلى متهم معين، أو هي الحق في دعوة القاضي للفصل في نزاع معين و هي تمثل العمل الافتتاحي للخصومة.

ثانيا: تحديد المسؤولية في الجريمة الدولية.

          لقد ثار بشأن تحديد المسؤولية عن ارتكاب الجريمة الدولية خلاف في الفقه الدولي فمن قائل بمسؤولية الدولة لوحدها إلى قائل بالمسؤولية المزدوجة للدولة و الفرد معا، إلى من يرى قصر هذه المسؤولية على الفرد لوحده باعتباره شخصا طبيعيا يتمتع بالإدراك           و التمييز. و تولد عن هذا الاختلاف مذاهب ثلاثة.   



(1) مثل النيابة العامة في محاكمات نومبرج العسكرية الدولية 4 أشخاص يمثلون الدول الأربعة الكبرى
     و التي كان دورها يقتصر على إثبات التهم على المتهمين من القوات الألمانية بسبب استعمالهم حرب
     عدوانية.
المذهب الأول: مسؤولية الدولة وحدها.

          فالدولة وحدها تتحمل مسؤولية ارتكاب الجريمة الدولية، لأن الدولة هي الشخص المخاطب بأحكام القانون الدولي فهي التي توقع على المعاهدات و تلتزم بها. كما أن الدولة هي الوحيدة القادرة على ارتكاب جرائم دولية إذ لا يستطيع الفرد مهما عظم شأنه أن يرتكبها، فهو غير قادر على ذلك كما أن الأفراد غير مخاطبين بأحكام القانون الدولي     أصلا (1).

المذهب الثاني: مسؤولية الدولة و الفرد معا.

          فالمسؤولية الدولية هي مزدوجة بين الفرد و الدولة معا. و أن المسؤولية عن جرائم النازي من الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية تتحملها الدولة الألمانية و المسؤولون عن ارتكاب هذه الجرائم حتى لا يفلت هؤلاء المتهمون الحقيقيون من العقاب. يقول بللا بهذا الخصوص ما يلي : " أن القانون الدولي الجنائي لا يمكنه أن يتجاهل ذلك الجانب المهم من المسؤولية الذي يقع على أشخاص طبيعيين معنيين بمناسبة الأفعال الإجرامية التي تأتيها الدولة، و إذا كانت الجزاءات الجنائية الخاصة يجب أن تطبق على الدول فإن العقاب الدولي يحب أن يمتد أيضا إلى الأشخاص الذين قادوا الأمة بأفعالهم إلى الحرب العدوانية..." (2).

المذهب الثالث: مسؤولية الأفراد وحدهم.

          يرفض أنصار هذا المذهب مسؤولية الدولة و يرون ضرورة حصر المسؤولية بالأفراد وحدهم، و حجتهم في ذلك أن الدولة شخص معنوي تنقصه الإرادة و التمييز.

           بالرغم من هذه الاختلافات الفقهية فقد تعزز مبدأ المسؤولية الفردية عن الجرائم الدولية بعدة مبادئ هامة في نطـاق القـانون الدولي الجنــائي، نذكر منها: مبدأ سمـو القـانـون  
(1) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص125.
(2) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص126.

الدولي على القانون الداخلي ، و مبدأ مسؤولية رئيس الدولة أو الحاكم لاقترافه الجريمة الدولية.

           و تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية قد أقرت مبدأ المسؤولية الفردية في نظام روما الأساسي سنة 1998 حيث هناك الكثير من النصوص الصريحة التي توضح الولاية الجنائية للمحكمة على الأفعال التي يرتكبها الأفراد كنص المادة 1 و 25.

ثالثا: انقضاء المسؤولية الجنائية الدولية.

          تنقضي الدعوى الجنائية الداخلية بحكم بات في القضية، أو بوفاة المتهم، أو العفو     أو التقادم أو التنازل عن الشكوى. و في مجال الجريمة الدولية فإنه إن جاز الأخذ ببعض هذه الأسباب كوفاة المتهم بعد رفع الدعوى الجنائية أمام المحكمة أو تنازل المجني عليه ( الدولة الضحية) إلا أنه بشأن تقادم الدعوى بمضي المدة فإن الفقه الجنائي الدولي يجمع على عدم تقادم الدعوى في الجرائم الدولية (1).











   


 
(1)  محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص359.

الفصل الثاني: صور الجرائم الدولية قبل و بعد نظام روما الأساسي.

           لقد جرت العادة في القانون الداخلي التقسيم بين الجانب العام للقانون الجنائي         و الجانب الخاص منه، فالأول يشمل سريان القاعدة القانونية الجنائية من حيث المكان        و الزمان و الأركان العامة للجريمة و المساهمة فيها و المسؤولية عنها و الأحكام العامة التي تحكم العقوبة المقررة لها، أما الثاني يشمل أركان و صور الجرائم.

          أما بالنسبة للقانون الجنائي الدولي فهذا التقسيم يطرح نفسه، فالقانون الجنائي الدولي قانون حديث نسبيا لم تتحد قواعده بعد على نحو ثابت و مستقر كما هو الحال في القانون الداخلي فلا يزال محل زيادة و تعديل، و بذلك لا يمكن تقسيمه إلى قسم خاص بنفس البساطة و الأسلوب المعروف في القوانين الداخلية، و هذا لتبيان أنواع الجرائم فيه بعد أن فشلت جميع المحاولات المتكررة لتقنينه. كل هذا يعني أن تحديد الجرائم الدولية يتطلب الرجوع إلى العرف الدولي و المعاهدات الدولية.

          و لذلك ارتأيت تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين، تناولت في المبحث الأول التقسيم المعمول به قبل صدور نظام روما الأساسي المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية الدائمة، أما في المبحث الثاني تناولت فيه صور الجرائم الدولية التي أتت بها المحكمة الجنائية الدولية مع أكثر تفصيل لهذه الجرائم الأخيرة.











المبحث الأول: صور الجرائم الدولية قبل صدور نظام روما الأساسي.

           على الرغم من الفشل الذي أصاب المجتمع الدولي في إيجاد تقنين عام للجرائم، إلا أنه استطاع أن يتوصل بجهوده المكثفة إلى عدة اتفاقيات و معاهدات دولية تحدد الأعمال التي تعد بمثابة جرائم دولية. و من المواضيع التي تناولتها تلك المعاهدات تجريم إبادة الجنس و التمييز العنصري و الإرهاب الدولي و جرائم الحرب، كتعذيب الأسرى و سوء معاملة المدنيين... و تحديد معنى العدوان، و غيرها من المواضيع حتى أصبح لدينا مجموعة كبيرة متناثرة من النصوص التي تحدد الجرائم الدولية و التي هي بمثابة قانون عقوبات خاص غير مترابط.

           و تناولت في هذا المبحث الجرائم الدولية وفق ما ظهر في أهم الأعمال الدولية كمحاكمات نومبرج و طوكيو، و أعمال اللجنة القانونية في الأمم المتحدة المكلفة بصياغة مبادئ نومبرج. و تتمثل هذه الجرائم في جرائم ضد السلام، و جرائم ضد أمن البشرية سأتناولها بالدراسة في مطلب أول، و كذا جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية ستكون محل دراسة في مطلب ثاني.  

المطلب الأول: الجرائم ضد السلام و الجرائم ضد أمن البشرية.

          لقد ورد النص على الجرائم ضد السلام في تقرير الأستاذين "لارنود" و "دي لابراديل" ـ المقدم لمؤتمر السلام الذي عقد في باريس سنة1919 ـ و كان ردا على ما ورد في تقرير لجنة المسؤوليات من أن أفعال إثارة الحرب و انتهاك الحياد لا تعد من قبيل الجرائم الدولية لكونها غير متعارضة مع العرف الدولي السابق على الحرب العالمية الأولى و الذي كان لا يحرم الحرب تحريما قاطعا ـ و الذي أسبغ صفة الجريمة الدولية على ما أتاه غليوم الثاني إمبراطور ألمانيا لكونه مخالفا لفكرة الأخلاق الدولية و مبدأ قدسية المعاهدات ـ و على ضوء هذا التقرير تضمنت معاهدة فارساي نص المادة 227 الذي يحرك تلك المسؤولية. و تتعدد الجرائم التي يمكن أن تندرج تحت هذه الطائفة، منها الدعاية الإعلامية لحرب الاعتداء و التآمر ضد السلام .


أما الجرائم ضد أمن البشرية فهي الجرائم التي تنطوي على إثارة الفزع و الرعب في المجتمع الدولي، و خاصة في وقت السلم، مثل جريمة "خطف الطائرات" التي حظيت بالتقنين في اتفاقيتين دوليتين أولهما في طوكيو سنة 1963، و ثانيهما في لاهاي سنة 1970،و جريمة "الإرهاب الدولي" التي ورد النص عليها في تقرير لجنة الشراح سنة 1919، ثم في اتفاقية مكافحة الإرهاب سنة 1937، و في مشروع تقنين الجرائم ضد لسلام  و أمن البشرية، ثم في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1982 الخاص بقمع الإرهاب.
           و فيما يلي سأتناول كل جريمة على حدى.

أولا: الجرائم ضد السلام.

          تأتي الجرائم ضد السلام في مقدمة الجرائم الدولية، و تعتبر أهمها على وجه الإطلاق نتيجة لكون المصلحة المعتدى عليها ـ و هي السلام ـ من أهم المصالح التي يحرص القانون الدولي الجنائي على صيانتها.
          و تعتبر جريمة حرب الاعتداء  من أهم هذه الطائفة من الجرائم لكونها تنطوي على مساس بالسلام العالمي و من هنا كانت محل تأثيم تحقيقا للعدالة الدولية الجنائية من جهة      و إرضاء الرأي العام العالمي من جهة أخرى. و لكن ثمة صورتان تسبقان هذه الجريمة كانتا بدورهما محل تأثيم ، تتخذ أولاهما صورة التآمر على شن الحرب، و تتمثل الثانية في مجرد الدعاية الإعلامية لإشعال لهيبها (1)، و على هذا تنحصر الجرائم ضد السلام في ثلاث صور تتدرج من حيث جسامتها مبتدئة بالدعاية الإعلامية لحرب الاعتداء، ثم التآمر على إتيانها إلى أن تصل إلى حد إعلانها بالفعل (2) و هنا يكون قد حدث إهدار فعلي للسلام العالمي.    




(1) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص151.
(2) سأتناول جريمة العدوان أكثر تفصيلا في المبحث الثاني من هذا الفصل.


1 ـ الدعاية الإعلامية لحرب الاعتداء:

          تلعب الوسائل الإعلامية دورا خطيرا في توجيه الجمهور و تكوين رأي عام بالنسبة لمسألة من المسائل، و قد تستغل الدولة وسائلها الإعلامية لإذكاء روح العدوان لدى الجمهور و تحريض الشعوب ضد السلام و دفعها إلى كراهية بعضها البعض مقترفة بذلك جريمة الدعاية الإعلامية ضد السلام.
        فهذه الجريمة تقوم بقيام السلطة المختصة أو القائمين على تنشيط الإعلام الرسمي في البلاد بنشاط مدروس و مخطط لخلق قيم و زرع مفاهيم و أفكار و معتقدات قادرة على إعادة تشكيل عقول الناس بهدف محدد، يقوم على بث روح العداوة بين الشعوب و تسميم منابع الصداقة و العلاقة الودية بين الأمم و التخلص من الالتزامات الدولية.
        و قد ظهرت أولى محاولات التجريم للدعاية الإعلامية لحرب الاعتداء في معاهدة جنيف الموقعة في 23/09/1936 و الخاصة بتنظيم الإذاعة الإعلامية في وقت السلم، و في 08/11/1947 صدر قرار الأمم المتحدة رقم ( 11/110) يجرم الدعاية الإعلامية للحرب بصورة واضحة لا لبس فيها، و قد جاء فيه : " إن الشعوب تتمسك بميثاق الأمم المتحدة   و غايته تجنيب الأجيال القادمة ويلات الحروب، بعد أن ضاقت البشرية مرارة حربين عالميتين في فترة قصيرة، و ضرورة العيش بسلام بين أفراد الجنس البشري. و بما أن الميثاق يدعو الجميع إلى احترام الحريات الأساسية، و منها حرية التعبير، فإن الجمعية العامة تدين كل أنواع الدعاية و في أية دولة كانت "(1).  

         و تقوم هذه الجريمة الدولية و طبقا للقواعد العامة للجرائم الدولية على ثلاث أركان تتمثل في الركن المادي و الركن المعنوي و الركن الشرعي.  





 


(1)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص177.


أ ـ الركن المادي:

          تتطلب هذه الجريمة سلوكا إيجابيا واضحا فلا يمكن تصور هذه الجريمة بسلوك سلبي، و يأخذ السلوك الايجابي عدة صور كالتحريض على الحرب، أو الأعمال العدوانية   ( أي بث فكرة الحرب لدى العامة بتحبيذ الفكرة و استثارة عواطف الناس و تبشيرهم بالنصر الذي يمكنوا أن يحصلوا عليه لو أشعلوا نيران الحرب ) ، أو عزل السكان على العالم الخارجي ( و يتحقق ذلك بالحيلولة بينهم و بين قراءة الصحف أو سماع الإذاعات المحلية    و الأجنبية عن طريق حظر الأولى و تعطيل الإرسال بالنسبة للثانية)، أو تشويه الرأي العام العالمي ( و ذلك بإخفاء أعمال منظمة الأمم المتحدة من أجل تحقيق السلام).

         بالنسبة للنتيجة المترتبة عن هذا السلوك الإجرامي فهي تتحصل في إثارة الشعب     و تحبيذه لفكرة الحرب دون إعلانها بالفعل.و يشترط أن تكون علاقة سببية بين صور السلوك و النتيجة المتحصلة (1).

ب ـ الركن المعنوي:

          و يتخذ صورة القصد الجنائي في هذه الجريمة، حيث يعتبر قائما متى علم الجاني بأن من شأنه الإقدام على حرب أو أي عمل عدواني آخر. و ينبغي أن تنصرف إرادته إلى تحقيق هذه الأغراض، فالدعاية عمل مقصود و مخطط لا تقوم بالخطأ و عدم الوعي. و نرى أن القصد هنا هو قصد جنائي خاص، إذ أن الغاية المرجوة من الترويج الإعلامي للحرب هي غاية محددة و تسيطر على القصد الجنائي في هذه الجريمة. و لا يقوم القصد الجنائي في هذه الجريمـة لمجرد بث الحقـائق و المعلومـات الصحيحة، فهذا حق لا ينازع فيه و لو أزعج
بعض الدول. فالدولة ملزمة بتحري الدقة في إذاعة المعلومات و ليس بإخفائها، زيادة على أن  

 


(1) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص174.




نشر المعلومات الصحيحة لا يساوي مطلقا القول بوجود الدعاية (1).
 و تمتنع المسؤولية هنا  إذا كان ما أتاه وليد الإكراه .

ج ـ الركن الدولي:

           و هو شرط لاعتبار الجريمة دولية، حيث تكون وليدة خطة مدبرة من دولة أو عدة دول بقصد المساس بدولة أخرى أو عدة دول.
و يعتبر هذا الركن متوافرا متى كان التحريض على الحرب أو أي عمل عدواني صادرا عن المؤسسات الإعلامية للدولة بناءا على ترخيص من الدولة للقيام بمثل هذا السلوك، فإذا كان صادرا عن رأي شخصي لصحفي أو إذاعي فلا تعد جريمة دولية، حتى و إن صدر عن حزب سياسي له تأثير و نفوذ قوي في الحياة السياسية في البلاد فلا يعد جريمة دولية. لأن العمل الدعائي المقصود بهذه الجريمة هو النشاط الصادر عن رجال السلطة و الذين يملكون ناصية القرار السياسي في البلاد وقت ارتكاب هذا النشاط، سواء أمروا به أو نفذوه أو قبلوا به. و بالتالي فلا مجال لأن تتهم الدولة بارتكاب هذه الجريمة لمجرد وجود فئات أو اتجاهات في صفوف المواطنين تقوم بالدعاية الإعلامية للحرب. كما لا تتهم الدولة بارتكاب هذه الجريمة إذا لم تتصدى لدعاة الحرب العدوانية من مواطنيها، و ذلك لأن المجتمع الديمقراطي يكفل للمواطنين حرية التعبير. و لكن ذلك لا يمنع بعض القوانين الجنائية الداخلية من تجريم هذه الأفعال التي تتم من قبل المواطنين باعتبارها جرائم تمس مصلحة الدولة بتعريض علاقاتها الدولية للخطر، من ذلك ما تنص عليه المادة 97 من قانون العقوبات اليمني :        " يعاقب بالحبس من دعا إلى حرب عدوانية..." (2).

 


(1) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص180.
(2) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص181.       


2 ـ التآمر ضد السلام:

          يعتبر التآمر الدولي من الأعمال التي تجرمها المواثيق الدولية نظرا لخطورتها و هو ما يتماشى مع موقف التشريعات الداخلية التي تجرم المؤامرة، كنص المادتين 78 و 85 من قانون العقوبات الجزائري.
          و يمكن تعريف المؤامرة على ضوء مبادئ القانون الدولي الجنائي بأنها: " الاتفاق بين اثنين أو أكثر من قادة دولة ما على تنفيذ خطة مرسومة للقيام بعمل عدواني ضد مصلحة من المصالح الدولية التي يعتبر الاعتداء عليها جريمة دولية ".
و من المواثيق الدولية التي جرمت المؤامرة: المادة 5 من لائحة طوكيو، و المبدأ السادس من المبادئ المستخلصة من محاكمات نومبرج، و المشروع الخاص بالجرائم ضد السلام      و أمن البشرية في المادة 2 فقرة 13.

          و تقوم هذه الجريمة بدوها على ثلاث أركان.


أ ـ الركن المادي:

          و يقوم على اتفاق أو تلاقي إرادات بعض الأفراد بمعرفة كبار رجال الدولة          أو عزمهم الجدي على القيام بالعمل، و قد يكون الاتفاق صريحا أو ضمنيا، علنيا أو سريا بشرط أن تفيد ظروف الحال وجود هذا الاتفاق الذي تتحدد فيه إرادات الفاعلين على تنفيذ العمل، مما يدل على وجود قرار حاسم لا خلاف فيه (1) يستهدف إتيان جريمة ضد السلام   و عليه فمجرد طرح الفكرة لا يعني الاتفاق. و يتبين أن الركن المادي يقوم على ثلاث عناصر هي: التآمر ،  و صفة الجاني، و الغرض من التآمر. 



(1) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص183.


ـ التآمر:

         و يعرف التآمر بأنه كل ارتباط بين شخصين فأكثر بواسطة عمل يقومون بإعداده معا لتحقيق غرض إجرامي أو غير قانوني أو لتحقيق غرض غير إجرامي و غير قانوني بوسائل غير قانونية.

ـ صفة المتآمر:

          لا يكفي لقيام الركن المادي لجريمة التآمر أن يحدث اتفاق على اقتراف جريمة ضد السلام من أي شخص كان، و إنما ينبغي أن يكون من طبقة معينة تملك ناصية الأمور في الدولة أي تقوم برسم سياستها الداخلية و الخارجية في البلاد، و تعد هذه الصفة متوافرة في رئيس الدولة، و القائد العام للقوات المسلحة، و الضباط العامون، و غيرهم من الذين يتوافر لديهم النفوذ السياسي في الدولة. و يجب أن يثبت في حق هؤلاء أنهم كانوا طرفا في المؤامرة و بمطلق حريتهم بغرض تنفيذها (1).

ـ موضوع التآمر:

          فلا يكفي لتوافر الركن المادي أن يحدث تآمر من أشخاص ينتمون إلى طبقة معينة  و إنما ينبغي أن يستهدف المتآمرون ارتكاب جريمة دولية تهدد السلام العالمي.  

ب ـ الركن المعنوي:

           المؤامـرة جريمة عمديـة تتطلب أن يكـون الجنـاة على علم بأنهـم يتآمـرون لارتكاب جريمـة دوليـة، فانتفـاء القصد لدى أحـدهم يجعلـه بريئـا من هذه الجـريمة. و يستـوي جـميـع  



 


(1) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص184.

المتآمرين في المسؤولية، فلا فرق بين من وضع الخطة ابتداءا، أو من انضم إلى الخطة لاحقا، إذ المهم أن تتلاقى الإرادات و تتحد بعزم على تنفيذ العمل الموصوف بأنه جريمة دولية.

ج ـ الركن الدولي:

          يتمثل الركن الدولي في وجوب أن يكون التآمر متحققا بناءا على خطة مرسومة من جانب الدولة بقصد ارتكاب جريمة ضد السلام تجاه دولة أخرى (1)، و تعتبر الخطة كذلك إن كانت صادرة من رجال الدولة العسكريين أو المدنيين مما يعني أن الفعل إنما يرتكب باسم الدولة و لحسابها. و يشترط أن تكون المؤامرة المرسومة مستهدفة الاعتداء على دولة أخرى، فلا يكتمل للجريمة ركنها الدولي إلا إذا كان المستهدف دولة من الدول، فالتآمر ضد السلام يعني وقوع حرب بين دولتين يعرض بالسلم و الأمن الدوليين.

ثانيا: الجرائم ضد أمن البشرية.

           من الجرائم الدولية ما ينطوي على مساس بأمن البشرية أي أمن المجتمع الدولي في مجموعه،و ذلك في وقت السلم، و تتعدد هذه الجرائم و مثالها جرائم الإرهاب، جرائم خطف الطائرات، و جرائم أخذ الرهائن، و جرائم الاعتداء على الدبلوماسيين و المتمتعين بالحماية الدولية.
           سأحاول دراسة نموذجين فقط من هذه الجرائم، و هي جرائم الإرهاب و جرائم خطف الطائرات.

1 ـ جرائم الإرهاب:

            يعد إرهابا كل عمل غير مشروع يقوم على استعمال العنف أو التهديد باستعماله بهدف الاعتـداء على جمـاعة من الأبريـاء ـ أفرادا كـانوا أو جماعـات ـ في أنفسهم أو أموالهم  

(1)  حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص189.
أو الاعتداء على الممتلكات العامة قصد إثارة جو من الخوف و الرعب في المجتمع، أو لدى فئة محددة منه و ذلك للتأثير على طرف ثالث ( فرد أو جماعة) و حمله على الانصياع لرغبة الإرهابيين في اتخاذ قرار أو موقف من قضية ما (1).
          و العمل الإرهابي عمل مادي، إذ لا تعد الأعمال الذهنية أو الفكرية المجردة عملا من الأعمال الإرهابية. كما يغلب أن تكون هذه الأعمال الإرهابية أعمالا مدروسة و منظمة  و تندرج ضمن حلقات ترتبط عادة بالهدف الذي يتحرك الإرهابيون لتحقيقه.
و إذا كان من السهل تحديد الأعمال التي تعد إرهابا، أو التعرف عليها فإنه من الصعب التوصل إلى تعريف الإرهاب و تحديد مضمونه، و ذلك راجع إلى أن أعمال الإرهاب أعمال متعددة و متنوعة و مختلفة في وسائلها و في الغايات التي ترجى منها.

          و هناك عدة أنواع من الإرهاب و ذلك بحسب الغاية التي ترجى منه أو الوسط الذي ينتشر فيه أو الجهة القائمة به أو الطريقة التي ينفذ بها :

* من حيث الغاية: هناك ثلاث أنواع من الإرهاب.
1 ـ إرهاب عام : يهدف إلى غاية هي في حقيقتها جريمة من جرائم القانون العام كالخطف   و القتل و التهديد و غيرها من الأعمال التي يأمل الإرهابيون بارتكابها الحصول على فدية أو أية منافع أو مكاسب مادية.
2 ـ الإرهاب السياسي: يشمل الأعمال الإرهابية الموجهة ضد نظام الحكم أو رموز الدولة كاغتيال زعيم سياسي أو رئيس دولة لهدف إثارة الخوف و الهلع في المجتمع.
3 ـ الإرهاب الجماعي: و يقصد به مجموع الأعمال التي يسعى منفذوها إلى التغيير الاجتماعي بالعنف، و التي لا تقتصر على مجرد تغيير نظام الحكم. و تعد الجرائم الفوضوية مثالا لهذا النوع من الإرهاب.

* من حيث المكان و مدى انتشار الإرهاب: و هنا نميز بين نوعين.
1 ـ الإرهاب الداخلي: يشمل الأعمال الإرهابية التي تقع في بلد ما و ضمن حدوده.


 
(1)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص217.
2 ـ الإرهاب الدولي: يشمل الأعمال الإرهابية التي تتخطى حدود الدول و لا تقتصر على بلد بذاتها.

* من حيث الجهة القائمة بالإرهاب: نميز بين نوعين.
1 ـ إرهاب الدولة: نعني به الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الدولة بنفسها، و كذلك الإرهاب الذي ترعاه الدولة و تتكفله و لو قام به أفراد أو جماعات من الناس الآخرين. من أمثلة هذا الإرهاب الغارة التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الجماهيرية العربية الليبية.
2 ـ إرهاب الأفراد: يشمل الأعمال التي يقوم بها الأفراد و العصابات و المجموعات الأخرى لحسابهم الخاص بدون أن يكونوا مدعومين من قبل الدولة كأعمال خطف الطائرات.

* من حيث طريقة التنفيذ:
1 ـ الإرهاب المباشر: هو ذلك الإرهاب الذي ينفذه الأفراد أو الدولة بطريقة فورية بحيث يكون الفاعل هو نفسه المنفذ.
2 ـ الإرهاب غير المباشر: يقوم بمجرد تقديم المساعدة و تسهيل مهمة الإرهابيين أو إيوائهم.

          و قد أوردت الفقرة 2 من اتفاقية جنيف الأولى الخاصة بمكافحة و معاقبة الإرهاب تعريفا له بحصره في: " الأفعال الإرهابية الموجهة ضد الدولة و التي يتمثل غرضها أو طبيعتها في إشاعة الرعب لدى شخصيات معينة من الأشخاص أو لعامة الشعب".

          وقد أصدر مجلس الأمن قرارا ثالثا دولي تحت رقم 1566 في 08/10/2004 شكل مفصلا رئيسيا و ركنا أساسيا من النظام العامي لمكافحة الإرهاب. و بنود هذا القرار ملزمة لكل دول العالم قاطبة من دون أن يحق لأي منها أن يتحفظ أو تتردد أو تتقاعس عن التنفيذ.
و أهم ما يميز هذا القرار أنه أورد تعريفا للإرهاب الدولي، و هذا التعريف ملزم للمجتمع الدولي بكامله حتى بالنسبة للدول غير الأعضاء في المنظمة الدولية، فقد عرف القرار 1566 الإرهاب الدولي بأنه: " كل عمل إجرامي ضد المدنيين يقصد التسبب بالوفاة أو بالجروح البليغة أو أخذ الرهائن من أجل إثارة الرعب بين الناس أو إكراه حكومة ما أو منظمة دولية للقيام عمل ما أو للامتناع عنه، و كل الأعمال الأخرى التي تشكل إساءات ضمن نطاق المعاهدات الدولية المتعلقة بالإرهاب، و وفقا لتعريفها، و لا يمكن تبريرها بأي اعتبار سياسي أو فلسفي أو عرقي أو ديني".
          و باعتبار الإرهاب جريمة دولية فإنه يقوم على مجموعة من الأركان، و هي:

أ ـ الركن المادي:

          و يتمثل في أعمال إرهابية تتجلى في التخويف المقترن بالعنف كأفعال التفجير       و تحطيم السكك الحديدية و تسميم مياه الشرب. و عليه فمعيار الإرهاب ينحصر في موضوع الجريمة أو الغرض الذي يبتغيه الجاني سواء كان للحصول على مغنم أو فرض مذهب سياسي أو تغيير شكل الدولة.

ب ـ الركن المعنوي:

          و يتمثل في قصد إشاعة الإرهاب لدى شخصيات معينة أو مجموعة من الأشخاص أو لدى الشعب في مجموعه. و يتحقق ذلك بتوافر علم الجاني بأن من شأن فعله تحقيق هذا الإرهاب و بانصراف إرادته إلى ذلك. و لا عبرة بالبواعث على الجريمة سواء كانت شخصية ( كالحصول على كسب مادي ) أو سياسية ( كفرض مذهب سياسي معين أو تغيير شكل الدولة ) و لو كان الجاني يعتقد جدواها في إصلاح المجتمع.

ج ـ الركن الدولي:

         و يتمثل في ضرورة أن تكون أفعال الإرهاب قد نفذت بناءا على خطة مرسومة من قبل دولة ضد دولة أخرى، أي أن الجاني يقدم على الجريمة باسم الدولة و لحسابها، أما إن أقدم عليها بإرادته المنفردة فينتفي هنا الركن الدولي و بالتالي تصبح الجريمة داخلية، فإذا أقدم شخص على تدمير مبنى الإذاعة مثلا في دولة معينة ـ و لو كان ذلك بقصد تغيير نظام الحكم الذي لا يؤيده ـ كانت الجريمة داخلية، أما إن فعل ذلك تنفيذا لخطة رسمتها له دولة معينة، سواء كان يحمل جنسيتها أو لا يحملها، فإن الجريمة تعد دولية (1). 


(1) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص227.

          و قد حرص المجتمع الدولي في اتخاذ كل الإجراءات الوقائية المسبقة أو العقابية اللاحقة لمكافحة أعمال الإرهاب الدولي، وذلك بوضعه مجموعة من الاتفاقيات و منها:

ـ اتفاقية منع التفجير الإرهابي سنة1997، و اتفاقية تمويل الإرهاب لعام 1999، و قد شجعت أحداث 11/09/2001 الدول على الإقبال على إبرام هاتين الاتفاقيتين. و قد بلغ عدد هذه الدول التي أبرمتها لغاية ديسمبر2005، 145 دولة.
ـ اتفاقيات طوكيو 1963 و  لاهاي 1970 و مونتريال 1971 و 1988 و 1991 حول مكافحة الأعمال غير القانونية كافة ( و منها خطف الطائرات ) لأنها تشكل جريمة دولية من جرائم الإرهاب الدولي سواء في المطارات أو على متن الطائرات المدنية.
ـ اتفاقية منع أخذ الرهائن 1979.
ـ اتفاقية إدانة الأعمال الإرهابية التي تستهدف الأشخاص المحميين دوليا في 1973.
ـ اتفاقية إدانة الإرهاب النووي 1998 و مشروع اتفاقية جديدة تحمل المضمون ذاته العام 2005.
ـ اتفاقية شجب الأعمال المخالفة للقانون و التي تستهدف الملاحة البحرية 1998.
ـ اتفاقية منع صناعة المتفجرات البلاستيكية 1991.  

2 ـ جريمة خطف الطائرات:

          تعرضت العديد من الطائرات لكثير من حوادث الاعتداء تجلى معظمها في المحاولات التي يقوم بها الأفراد لتحويل مسارها فيما يسمى ب " تحويل أو خطف الطائرات". و نظرا لخطورة مثل هذه الاعتداءات، و تعريض حياة المسافرين لأشد المخاطر، فقد سارع جانب من الدول إلى التداول فيما يمكن عمله و أسفر عن ذلك توقيع ثلاث اتفاقيات في هذا المجال:
1 ـ اتفاقية طوكيو بشأن الجرائم و الأفعال التي ترتكب على متن الطائرات عام 1963.
2 ـ اتفاقية لاهاي الخاصة بقمع الاستيلاء غير القانوني على الطائرات عام 1970.
3 ـ اتفاقية مونتريال الخاصة بقمع جرائم الاعتداء على سلامة الطيران المدني عام 1971.
          و يقصد باختطاف الطائرة حسب المادة 11 من اتفاقية طوكيو الاستيلاء على الطائرة بالقوة أثناء طيرانها و تحويل مسارها بالقوة لجهة غير الجهة المقرر وصولها إليها.
و لاعتبار الفعل اختطاف طائرة حسب الفقرة 1 من نفس المادة يجب أن يكون الفعل غير مشروع، و أن تستخدم القوة أو التهديد باستخدامها، و أن يقع هذا الفعل على متن الطائرة    و أن يقع أثناء الطيران.  
         و يقصد باختطاف الطائرة على ضوء اتفاقية لاهاي و حسب ما جاء في المادة 1 منها : " إذا قام أي شخص على ظهر طائرة أثناء طيرانها:
أ ـ إذا قام بصورة غير مشروعة بالسيطرة على الطائرة أو الاستيلاء عليها، و ذلك بالقوة أو التهديد باستعمالها أو بأي شكل من أشكال الإكراه.
ب ـ إذا شرع في ارتكاب أي من هذه الأفعال أو إذا اشترك مع أي شخص آخر قام أو اشترك في ارتكاب أي من هذه الأفعال".
و يظهر من التعريف أنه يجب أن يكون فعل الاستيلاء أو السيطرة على الطائرة غير مشروع، و أن يكون ارتكاب الفعل عن طريق القوة أو التهديد أو أي شكل من أشكال  الإكراه (1) .
أما معاهدة مونتريال فقد حددت تلك الجرائم على أنها أعمال العنف التي تستهدف تعريض سلامة الطائرة أثناء طيرانها للخطر سواء كان ذلك بالاعتداء على الشخص على متنها أو تدميرها أثناء الخدمة أو إفسادها، بأي وسيلة كانت و لو كانت مجرد معلومات كاذبة (2).

          و نظرا لحداثة التجريم الدولي لخطف الطائرات فقد ذهب البعض إلى اعتبارها من قبيل "القرصنة الدولية"، إلا أن هذا الموقف وجه له عدة انتقادات باعتبار أن جريمة القرصنة لا ترتكب إلا في أعالي البحار، كما أنها ترتكب لتحقيق أغراض خاصة ذات طابع اقتصادي، كما أن جريمة القرصنة تفترض وقوع أعمال عنف من الطاقم أو ركاب السفينة ضد سفينة أو طائرة أخرى، على عكس جريمة خطف الطائرات التي تفترض وقوع الفعل على متن الطائرة المخطوفة (3).  




(1) محمد منصور الصاوي، المرجع السابق، ص256.
(2) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص247.
(3) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص209.
         و تجدر الملاحظة إلى أن خطف الطائرات لا يعتبر جريمة دولية في جميع الحالات إذ ينبغي أن يقصر مجالها على الحالات التي يتوافر فيها الركن الدولي، بمعنى أن تكون واقعة بناءا على خطة مرسومة من جانب دولة ضد أخرى بقصد المساس بحسن سير الطيران المدني.
و كما هو حال الجرائم الأخرى، فإن جريمة خطف الطائرات تقوم على ثلاث أركان وهي:

أ ـ الركن المادي:

         حسب ما جاء في الاتفاقيات الثلاث فإن الركن المادي لهذه الجريمة يقوم على استخدام القوة أو التهديد باستخدامها أثناء الطيران للاستيلاء على الطائرة.  و القوة تشمل القوة البدنية أو الاستعانة بالسلاح أو التهديد به فعلا، و يجب أن يكون التهديد صادرا عن أحد المسافرين على متن الطائرة، فلا يقوم الركن المادي لهذه الجريمة إذا ما استجاب قائد الطائرة لتهديد جاءه من خارج الطائرة،كما لو جاءه التهديد بواسطة اللاسلكي مثلا.

ب ـ الركن المعنوي:

          يتطلب الركن المعنوي لهذه الجريمة قيام القصد الجنائي العام لدى الجاني، أي ضرورة توافر عنصري العلم و الإرادة، بأن يعلم الجاني بأن عمله يشكل تدخلا في السير الطبيعي للطائرة، و أن تكون له إرادة لهذا الفعل.
و تتطلب هذه الجريمة أن يكون الجاني جادا في فعله أو تهديده، فإذا تبين أنه لم يكن كذلك    و إنما في إطار الهزل فلا تقوم الجريمة لانعدام القصد لدى الفاعل.
و علينا مراعاة ظروف الحال و طبيعة ظروف الطيران، فإذا هدد أحد المسافرين قائد الطائرة بمسدس وانصاع له القائد فإن الجريمة تعتبر تامة و قائمة و لو تبين بعد ذلك أن المسدس لم يكن محشوا بالرصاص. و لا يعتد بالبواعث في هذه الجريمة سواء كانت بواعث سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية فإن الجريمة تعتبر تامة (1).
  

(1)  عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص256.

ج ـ الركن الدولي:

          لم تشر نصوص اتفاقيتي طوكيو و لاهاي إلى هذا الركن، و لكنها تشترط توافره أخذا بالقاعدة العامة في الجريمة الدولية، و يقصد به وجوب أن تقع الجريمة بناءا على خطة مرسومة من جانب دولة عدوانا على دولة أخرى أيا كان الحق الذي حدث المساس به إذ يمكن القول أنه عدوان منطوي على مساس بالسيادة الإقليمية للدولة المجني عليها باعتبار أن الطائرة تعد امتدادا لإقليم الدولة.

المطلب الثاني: جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية.

          في هذا المطلب سأحاول دراسة هذين النوعين من الجرائم بإيجاز، تاركة الدراسة التفصيلية لهما في المبحث الثاني من هذا الفصل.

أولا: جرائم الحرب.

          تعد جرائم الحرب أقدم الجرائم الدولية التي حاول المجتمع الدولي تحديدها منذ وقت مبكر نسبيا، فقد ساد منطق أن الحرب شر لابد منه و أنه من الحكمة السعي للتخفيف من ويلاتها و حصر نتائجها بقدر الإمكان، بحيث تقتصر نتائجها على الجيوش المتحاربة دون الشعوب.
          و قد نبه العرف الدولي الذي نما و ترعرع في أواخر القرون الوسطى و أوائل عصر النهضة إلى جرائم الحرب في بعض صورها من خلال الفقه الكنسي و أعمال بعض المفكرين الذين دعوا إلى تنظيم سياسة المتحاربين ضمن مبادئ عامة أهمها: ضرورة المحافظة على حياة الأبرياء و أموالهم، و وجوب معاملة الأسرى معاملة حسنة، و الابتعاد عن الأعمال التي تمس حياة الأطفال و النساء و العجزة و رجال الدين.
          و في العصر الحديث تكثفت هذه الجهود، و أثمرت معاهدات و مواثيق دولية عملت على تنظيم عادات الحروب و قوانينها حيث فرضت قيودا معينة على سلوك الجيوش         و واجباتهم و الأسلحة التي لا يجوز استعمالها، ومن بين هذه الاتفاقيات: اتفاقية جنيف 1864 بشأن مرضى و جرحى و أسرى الحرب، و معاهدات لاهاي 1899 و 1907 التي تولت تنظيم قواعد الحياد و الحرب، كما ساهمت الأمم المتحدة بأعمال معتبرة منها اتفاقيات جنيف الأربع الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1949 و المتعلقة بحماية المدنيين و العسكريين وقت الحرب (1).

          و تتمثل جرائم الحرب في المخالفات المرتكبة ضد قوانين الحرب و عاداتها كالقتل  و سوء معاملة الأسرى و التنكيل بهم و تدمير المدن بما لا تبرره ضرورة الحرب، كما تشمل جرائم الحرب أيضا الأشغال الشاقة للأهالي المدنيين أو مسجوني الحرب و النهب و قتل الرهائن (2).

          و تأخذ جرائم الحرب صورا متعددة، فقد تتم عن طريق استعمال أسلحة أو مواد محرمة، أو استعمال المقذوفات المتفجرة أو المحشوة بمواد ملتهبة، أو استعمال الغازات الخانقة أو الأسلحة المسمومة، أو استعمال أساليب الحرب البكترولوجية، أو استعمال أنواع معينة من الألغام البحرية ،كما تتم باستعمال السلاح الذري (3).

          و أخيرا نرى أنه إذا كانت قاعدة القانون الدولي على اختلاف مصادرها تعتبر فعل الحرب جريمة دولية، فإن قاعدة القانون نفسها تعتبر الحرب دفاعا عن النفس فعلا مباحا.

ثانيا: الجرائم ضد الإنسانية.

           يقصد بالجرائم ضد الإنسانية تلك التي تنطوي على عدوان صارخ على إنسان معين أو جماعات إنسانية لاعتبارات معينة، و هي تعتبر بذلك تطبيقا لفكرة القانون الدولي العام الحديث الذي يتجه صوب الاعتراف بالفرد و كفالة الحماية الكافية لحقوقه سواء وقت السلم أو في وقت الحرب.
           كما يقصد بالجرائم ضد الإنسانية، تلك التي يرتكبها أفراد من دولة ما ضد       أفراد آخـرين من دولتهـم أو من غير دولتهـم، و في شكـل منهجي، و ضمـن خطة للاضطهاد          

(1) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص259.               
(2) محمد عبد المنعم عبد الخالق، المرجع السابق، ص339.
(3) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص234.
و التمييز في المعاملة بقصد الإضرار المتعمد ضد الطرف الآخر، و ذلك بمشاركة مع آخرين لاقتراف هذه الجرائم ضد مدنيين يختلفون عنهم من حيث الانتماء الفكري أو الديني أو العرقي أو الوطني أو الاجتماعي أو لأية أسباب أخرى من الاختلاف (1).  

           و قد ترتكب هذه الجرائم بصفة أصلية أثناء القتال داخل إقليم الدولة التي ينتمي إليها الجاني أو الجناة أو في المناطق المحتلة، كما قد ترتكب في وقت السلم. و يستهدف التجريم في الحالتين وضع حد لجبروت الحكام الذين يظلمون أقلية وطنية أو جنسية أو دينية وصولا إلى إقرار الحماية اللائقة للقيم الإنسانية العليا بحسبانهما من مبادئ العدالة و مقتضيات الضمير الإنساني (2).
        
         و تعتبر لائحة نومبرج أول وثيقة دولية تنص على هذه الجرائم في المادة 6 على النحو التالي: " الجرائم ضد الإنسانية و هي أفعال القتل و الإبادة و الاسترقاق و الإبعاد    و غيرها من الأفعال غير الإنسانية المرتكبة ضد أي شعب مدني قبل أو أثناء الحرب.       و كذلك الاضطهادات المبنية على أسباب سياسية أو جنسية أو دينية، سواء أكانت تلك الأفعال أو الاضطهادات مخالفة للقانون الداخلي للدولة المنفذة فيها أم لا متى كانت مرتكبة بالتبعية لجريمة داخلة في اختصاص المحكمة أم مرتبطة بها ( جريمة ضد السلام          أو جريمة ضد الحرب ) ".
و قد تكرر هذا النص في لائحة محكمة طوكيو ( المادة 5 فقرة 6 ج )، وقانون مجلس الرقابة على ألمانيا رقم 10 ( المادة 2 فقرة ج ) و سجلتها الأمم المتحدة في ميثاقها بالمواد 1 و 13 و 53 (3). و تلت هذه النصوص مجموعة من الاتفاقيات و المعاهدات الدولية و التي تدعو إلى ضرورة التخلص منها و المعاقبة عليها، و منها:
مشروع تقنين الجرائم ضد السلام و أمن البشرية 1954، و إعلان الأمم المتحدة الخاص بتجريم كافة صور التفرقة العنصرية الصادرة عن الأمم المتحدة بتاريخ 20/11/1963      و الاتفـاقية الدوليـة للقضاء على جميع أشكـال التمييز العنصري الصادرة عن الجمعية العامة
 

(1) عدنان السيد حسين، مقال حول "الجرائم ضد الإنسانية بين المسؤولية و التنصل"،مركز المعطيات
     و الدراسات الإستراتيجية، سوريا.
(2) حسنين إبراهيم صالح عبيد، المرجع السابق، ص253.
(3) عبد الله سليمان سليمان، المرجع السابق، ص281.
للأمم المتحدة بتاريخ 21/12/1965.

         و بالرجوع للائحة نومبرج فإن الأفعال التي حددها النص كجرائم ضد الإنسانية يمكن تقسيمها إلى أفعال القتل أو الإبادة أو الاسترقاق أو الإبعاد من جهة و الاضطهاد المبني عل أسباب سياسية أو عنصرية أو دينية من جهة أخرى، و بالتالي يمكن تقسيم هذه الجرائم إلى نوعين:

1 ـ جرائم إبادة الجنس: و التي يقدم فيها القتلة و السفاحون على إبادة جماعة ما ـ إبادة كلية أو جزئية ـ و قهرها بلا ذنب اقترفته سوى أنها تنتسب إلى جماعة قومية أو جنسية أو دين يخالف قومية أو جنس أو دين القتلة.

جرائم التمييز العنصري: و الذي يقوم على الاضطهاد الذي تمارسه فئة مسلطة ضد فئة أو جماعة مقهورة اضطهادا مرده إلى اختلاف اللون أو المعتقد الديني أو اللغة، و يتمثل هذا الاضطهاد في تصنيف الجماعة المقهورة داخل الوطن على أنها تكون مواطني الدرجة الثانية.  














المبحث الثاني: صور الجرائم الدولية حسب نظام المحكمة الجنائية الدولية.

           بعد التطرق لصور الجرائم الدولية قبل صدور نظام روما الأساسي، و إن كان ذلك بصورة موجزة، وجب علينا الآن دراسة تصنيف الجرائم الدولية حسب ما جاء به نظام روما الأساسي المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية.
          لكن يتوجب علينا بداءة إعطاء لمحة وجيزة عن هذا النظام قبل التطرق للتصنيف الذي أتى به للجرائم الدولية، و الذي صنفها إلى جرائم إبادة ، و جرائم ضد الإنسانين         و جرائم حرب، و جريمة عدوان.

* مراحل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة:

          على الرغم من أهمية الخطوات التي قام بها مجلس الأمن لمواجهة الانتهاكات الخطيرة و غير الإنسانية التي حدثت في كل من يوغسلافيا سابقا و رواندا، فقد كانت هذه المحاكم وحدها  غير قادرة على ملئ الفراغ القانوني الذي يشكله غياب جهاز قضائي دائم ذي ميثاق محدد واضح المعالم، فإنشاء هذه المحاكم و إن كانت خطوة إيجابية إلا أنها كانت غير كافية و ذلك لاعتبار أنها محاكم خاصة بنزاع معين و محدد بإقليم معين، كما أنها محاكم مؤقتة و ليست دائمة و غالبا ما تنقضي بزوال سبب وجودها.

         كما أن إنشاء هذه المحاكم يخضع لمعيار انتقائي لمجلس الأمن أساسه المحافظة على السلم و الأمن الدوليين، و كما هو معروف فإن مجلس الأمن يطغى عليه الطابع السياسي غير الحيادي، فنلاحظ عدم إنشاء محاكم بفلسطين مثلا، و لذلك فقد واصل المجتمع الدولي جهوده لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، حيث قدمت لجنة القانون الدولي في دورتها 46 مشروع نظام أساسي لمحكمة جنائية دولية و قامت بتقديمه إلى الجمعية العامة، و بعد ذلك أنشأت الجمعية العامة لجنة متخصصة لدراسة مشروع لجنة القانون الدولي و ستنظر بعد ذلك في وضع الإجراءات اللازمة لعقد المؤتمر الدولي للمفوضين، و قد عقدت هذه اللجنة عدة اجتماعات مع العديد من الدول و المنظمات غير الحكومية و أهمها التحالف الدولي من أجل المحكمة الجنائية الدولية، و قد لعبت هذه المنظمة و غيرها من المنظمات غير الحكومية دورا كبيرا في دخول المحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ.

           و في سنة 1995 استعرضت اللجنة المسائل المتعلقة بالنظام الأساسي للمحكمة تمهيدا لعرضها على الجمعية العامة و التي بدورها أنشأت لجنة تحضيرية مفتوحة لعضوية الدول و الوكالات المتخصصة من أجل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، و قد عقدت اللجنة عدة اجتماعات بين عامي 1996 و 1998 إلى أن انتهت إلى مسودة المشروع.

          و خلال دورتها 52 قررت الجمعية العامة عقد مؤتمر للدبلوماسيين سنة 1998 الهدف منه إنجاز و تبني اتفاقية دولية خاصة بإنشاء محكمة جنائية دولية، و عقد المؤتمر في إيطاليا. و قد تم اعتماد نظام روما الأساسي ب 120 صوتا مقابل 7 أصوات من مجموع 160 دولة مشاركة في المؤتمر بتاريخ 17/07/1998. و بعد انتهاء مرحلة التصديق، دخل النظام الأساسي حيز التنفيذ في 01/07/2002 ثم تلتها بعد ذلك في 10/09/2002 تبني الدول الأطراف القواعد المتعلقة بتعيين قضاة المحكمة، و قد تم انتخاب هؤلاء القضاة فعلا في 27/02/2003، و في 11/03/2003 انعقدت الدورة الافتتاحية للمحكمة، و أدى خلالها القضاة العشرة اليمين و انتخب القاضي الكندي رئيسا، و أخيرا في 21/04/2003 تم انتخاب المحامي الأرجنتيني مدعيا عاما لدى المحكمة.

          و هكذا بدخول المحكمة الجنائية الدولية مجال التطبيق، و كما قال "محمد بنونة" ممثل المملكة المغربية لدى الأمم المتحدة: " من الآن فصاعدا لن تشكل السيادة ذلك الظرف العازل المحمي بمبدأ عدم التدخل الذي يمكن من وراءه للدكتاتوريين و المجرمين الكبار أن يختبئوا دون أي متابعة بمبرر أنهم يدافعون عن الصالح العام لدولتهم".

           و قد جاء نظام روما الأساسي بعدة قواعد قانونية جديدة جديرة بالذكر منها: إعطاء الضحايا صفة المدعي المدني و هذا ما هو منتشر في القضاء الجنائي الداخلي، كما أنه ليس للمحكمة اختصاص رجعي، وقد جاءت المحكمة بمسألة إنشاء صندوق تعويضات للضحايا.






* مميزات المحكمة الجنائية الدولية:         

            تعتبر المحكمة الجنائية الدولية مؤسسة قضائية دائمة تنعقد لاقتضاء النظر في قضية تعرض عليها، و لها شخصية قانونية دولية، و القدرة على صنع المعاهدات، كما لها الأهلية القانونية اللازمة لممارسة وظائفها و تحقيق مقاصدها(1)، و قد اتسمت هذه المحكمة بالملامح التالية:

1 ـ أنهـا أنشأت بموجب معـاهدة دوليـة، و يترتـب على ذلـك أن للدولــة الحريـة التـامــة فـي      الإنظمام لها أو العزوف عنها.
2 ـ حدد النظـام الأسـاسي للمحكمـة اختصاصها بمحاكمـة الأشخـاص الطبيـعـيين دون الدول                                           
     و هو ما أشارت إليه الفقرة 1 من المادة 25 من النظام الأساسي.
3 ـ لم يأخــذ النظـام الأســاسي بالحصانـة كسبب لنفي المسـؤوليـة، لأن هذه المحكمـة لم تنشأ
     أســاسـا إلا لمحـاكمة كبـار مسؤولـي الدولــة و الحكومــات و الوزراء عـن الأفعـال التي
     اقترفوها و التي يجرمها القانون الدولي.
4 ـ أنها محددة الاختصـاص النوعي، فلهـا صلاحيـة النظر في 4 جرائم و هي:جرائم الحرب
    و الإبادة الجماعية، و الجرائم ضد الإنسانية، و جريمة العدوان، و ذلك حسب نص المادة 
    5 من النظام الأساسي.
5 ـ أخذ النظام الأسـاسي بمبدأ الحظر الزمني المؤقت في تعديل نصوصه، حيث حظر النظام
     الأساسي تعديل أي نص من نصوصه إلا بعد انقضاء 7 سنوات من بدأ العمل بأحكامه.
6 ـ إن المحكمـة الجنـائية الدوليـة هيئة دائمـة، فهي ليست محكمة خاصة نشأت لغرض معين
     تنتهي بانتهائه كمحاكم نومبرج و طوكيو و يوغسلافيا و رواندا.
7 ـ ولاية المحكمة مكملة للولاية القضائية الوطنية للدول الأعضاء.
8 ـ عدم جواز التحفظ في النظام الأساسي للمحكمة (2).  



(1) عبد القادر البقيرات، العدالة الجنائية الدولية،ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005، ص216.
(2) علي يوسف الشكري، المرجع السابق، ص 98 إلى 105.

          و تنص المــادة الخــامسة في فقرتهــا الأولـى من النظـام الأسـاسي لروما على ما يلي:
" يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره و للمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص في الجرائم التالية:
ـ جريمة الإبادة الجماعية.
ـ الجرائم ضد الإنسانية.
ـ جرائم الحرب.
ـ جريمة العدوان...." . 

         من استقراء هذه المادة يتبين أن النظام الأساسي لروما أتى بالتصنيف الرباعي للجرائم الدولية، و هو ما سأحاول دراسته وفق المطلبين التاليين، أتناول في الأول جرائم الإبادة و الجرائم ضد الإنسانية، أما المطلب الثاني أتناول فيه جرائم الحرب و جريمة العدوان. و سأتناول بالدراسة مضمون هذه الجرائم، و أركانها و كذا كيفية معالجتها من طرف نظام رزما الأساسي.

المطلب الأول: جرائم الإبادة و الجرائم ضد الإنسانية.

          تعتبر جريمة إبادة الجنس حديثة العهد في القانون الدولي الجنائي، فلم تظهر إلا بعد الحرب العالمية الثانية، و يرجع الفضل في تسميتها إلى الفقيه البولوني "ليمكين" الذي عمل مستشارا للولايات المتحدة الأمريكية في شؤون الحرب في نهاية الحرب العالمية الثانية.
          كما أسبغ القانون الدولي الجنائي حمايته على الإنسان، واعتبر أن الاعتداء عليه يشكل جريمة ضد الإنسانية، أي يعتبر جريمة دولية سواء وقعت في وقت الحرب أو وقت السلم. و أول ظهور لهذا النوع من الجرائم كان بعد الحرب العالمية الثانية.
و فيما يلي تفصيل لكل جريمة على حدى.

أولا: جريمة الإبادة.

          جرائم الإبادة الجماعية، أو جرائم إبادة الجنس البشري أو جرائم إبادة الجنس، كلها تعبيرات عن معنى واحد، و لقد وصف "جرافن" جريمة الإبادة على أنها : " أهم الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية و نموذجها ، ففي هذه الجريمة تتجسد فكرة الجريمة ضد الإنسانية بأجلى معانيها حيث  يقدم القتلة و السفاحون على إبادة جماعة ما و قهرها بلا ذنب اقترفته سوى أنها تنتسب إلى جماعة قومية أو جنس أو دين يخالف قومية أو جنس أو دين القتلة".
         فأفعال الإبادة الجماعية التي تصيب جماعة بعينها، و لمجرد كونها مجموعة من الأشخاص تربط بينهم روابط معينة ( دينية، عرقية، قومية...) تمثل أقصى درجات الوحشية و الهمجية التي تنطوي عليها نفسية مرتكبي هذه الأفعال التي يمكن أن تقوم بها هذه الجرائم.و قد جاء في المادة الأولى من اتفاقية الإبادة الجماعية 1948 أن : " الإبادة جريمة بمقتضى القانون الدولي سواء ارتكبت في وقت السلم أو وقت الحرب، و تتعهد الدول الأطراف بمنعها و المعاقبة عليها ".

           و جريمة الإبادة الجماعية شأنها شأن باقي الجرائم الدولية، تقوم على الأركان التالية:

أولا: الركن المادي.

           نكون بصدد الركن المادي لجريمة إبادة الجنس البشري إذا توافرت أحد الأفعال التي نصت عليها المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة، و هي كالتالي:

1 ـ قتل أفراد أو أعضاء الجماعة:

           أي قتل عدد معين من الجماعة و ليس فردا واحدا منها، و كذا يستوي أن تكون الإبادة جماعية أو جزئية، كما يستوي كذلك وقوع الفعل بصفة إيجابية أو سلبية.

2 ـ إلحاق أذى أو ضرر جسدي أو عقلي خطير بأعضاء الجماعة:

           و هنا يشترط أن يكون الفعل بدرجة من الجسامة مما يؤثر على وجود أعضاء الجماعة، و يتحقق هذا الفعل بكل وسيلة مادية أو معنوية لها تأثير على أعضاء الجماعة مثل الضرب أو التشويه الذي يفضي إلى عاهات مستديمة أو التعذيب.

3 ـ إخضاع الجماعة لظروف معيشية قاسية يقصد منها إهلاكها أو تدميرها الفعلي كليا      أو جزئيا:

          و مثال هذا الإقامة في مكان خال من كل سبل الحياة حيث لا زرع و لا ماء، أو في ظل ظروف مناخية قاسية تجلب الأمراض دوم تقديم سبل للحياة.

4 ـ فرض تدابير ترمي إلى منع أو إعاقة النسل داخل الجماعة:

          و يتمثل هذا الفعل في خضوع أعضاء الجماعة لعمليات إعاقة النسل أو التوالد مثل إخصاء رجالهم و تعقيم نسائهم بعقاقير تفقدهم القدرة على الحمل و الإنجاب و إكراههن على الإجهاض عند تحققه.

5 ـ نقل أطفال أو صغار الجماعة قهرا و عنوة من جماعتهم إلى جماعة أخرى:

          و ينطوي الفعل على نوع من الإبادة الثقافية إذ يمثل هؤلاء الأطفال مستقبل الجماعة الثقافي و استمرارها الاجتماعي.

         و تجدر الملاحظة أن المادة 3 من اتفاقية منع الإبادة تسوي من حيث المسؤولية الجنائية بين الجريمة التامة و الشروع، كما نصت على المساهمة  و كذا التآمر و التحريض.

ثانيا: الركن المعنوي.

           يتطلب الركن المعنوي لهذه الجريمة ضرورة توفر القصد الجنائي الخاص، فالجاني يجب أن يكون على علم بأنه يقوم بعمل يؤدي إلى تهديم كيان الجماعة و إبادتها، و مع ذلك لا يرتدع و يواصل عمله بهدف الوصول إلى الغاية.و لا يكفي في هذه الجريمة توفر عنصري القصد الجنائي (العلم و الإرادة)، و إنما يجب أن يكون مدفوعا بغرض محدد و تحركه أسباب معينة ترتبط بعوامل دينية أو عنصرية أو جنسية.

ثالثا: الركن الدولي.

           غالبا ما تكون هذه الجريمة مدبرة من قبل الحكام أو فئات اجتماعية سائدة و بيدها السلطة، أو ترتبط ارتباطا وثيقا بالسلطة ضد فئات اجتماعية أو عرقية أو دينية مقهورة.      و تستمد هذه الجريمة صفتها الدولية، إما من كون مرتكبها صاحب سلطة فعلية قائمة أو يرتبط بالسلطة الفعلية القائمة، أو كون موضوعها مصلحة دولية تتمثل في وجوب حماية الإنسان بذاته بغض النظر عن جنسيته أو دينه أو العنصر الذي ينتسب إليه.

* جريمة الإبادة في ظل نظام روما:  

          لقد تم التنصيص على جريمة الإبادة في نظام روما الأساسي كجريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة وفقا لنص المادة 5 من هذا النظام، و أما حول مضمون هذه الجريمة فقد نصت المادة 6 من هذا النظام على ما يلي : " لغرض هذا النظام الأساسي تعني الإبادة الجماعية أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد هلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكا كليا أو جزئيا:
أ ـ قتل أفراد الجماعة.
ب ـ إلحاق ضرر جسدي أو عقلي أو جسمي بأفراد الجماعة.
ج ـ إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها الإهلاك الفعلي كليا أو جزئيا.
د ـ فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة.
ه ـ نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى " .

          و أخيرا فإنه يعاب على اتفاقية منع الإبادة 1948 ، و كذا نظام روما الأساسي،أنهما لم يتعرضا إلى الإبادة الثقافية بمعناها الشامل أو الإبادة لأسباب سياسية (1)، مع العلم أن الإبادة السياسية لا تقل خطورة عن حالات الإبادة المنصوص عليها، ذلك أن الإبادة الجماعية

 


(1) عدنان السيد حسين، نفس المقال السابق.

تتمثل في إكراه إحدى الجماعات على تحديد أو إلغاء استخدام لغتها أو تطبيق شعائرها الدينية، أو هدم أماكن العبادة و تخريب الأشياء ذات القيمة التاريخية للجماعة لكي ينتهي الأمر بتلك الجماعة إلى نسيان لغتها و دينها و تاريخها و كافة مقوماتها الحضارية.

ثانيا: الجرائم ضد الإنسانية.

           لم ينتج عن الحرب العالمية الثانية وسائل قمعية فقط ( محاكم نومبرج و طوكيو)   و لكن نتج كذلك ظهور جريمة جديدة ضمن الجرائم الدولية، ألا و هي الجرائم ضد الإنسانية. و لم يكن القانون الدولي الجنائي بعيدا عن هذا التطور حيث أسبغ حمايته على الإنسان        و اعتبر أن الاعتداء الخطير عليه يشكل جريمة ضد الإنسانية أي يعتبر جريمة دولية سواء وقعت في وقت الحرب أو وقت السلم.

           و على ذلك فإن أول ظهور للجرائم ضد الإنسانية كان بعد الحرب العالمية الثانية  ثم أخذ مفهوم هذه الجرائم يتطور بعد ذلك بتزايد المعاهدات الدولية.

* تعريف الجرائم ضد الإنسانية: 

         على خلاف جرائم الإبادة فإن الجرائم ضد الإنسانية لم تعرف بواسطة معاهدة، كما أننا لا نجد تعريفا جامعا مانعا للجرائم ضد الإنسانية، و لذلك سأحاول التطرق لمختلف التعريفات  الواردة في المعاهدات و المواثيق الدولية.

1 ـ الجرائم الإنسانية في لائحة نومبرج:

           نصت المادة 6 من لائحة نومبرج على أنه : " إن الجرائم ضد الإنسانية هي أفعال القتل المقصودة و الإبادة و الاسترقاق و الإبعاد و غيرها من الأفعال غير الإنسانية المرتكبة ضد أي شعب مدني قبل أو أثناء الحرب، و كذلك الاضطهادات المبنية على أسس سياسية أو عرقية أو دينية، سواء كانت تلك الأفعال أو الاضطهادات مخالفة للقانون الداخلي للدولة التي وقعت فيها أو لا، متى كانت مرتكبة بالتبعية لجريمة داخلة في اختصاص المحكمة أم مرتبطة بها" ، و تشكل هذه المادة أول تعريف للجرائم ضد الإنسانية.  
2 ـ القانون رقم 10 لمجلس الرقابة على ألمانيا:

         أخذ هذا القانون تقريبا بنفس التعريف الذي جاءت به المادة 6 من لائحة نومبرج      و لكن باختلافات طفيفة منها أنه ذكر مصطلح الأعمال البشعة و الجنح في نفس الوقت و لم يحصرها، كما أضاف أعمالا أخرى هي السجن و التعذيب و الاغتصاب.

3 ـ قضية كلوس باربي:

           نصت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 20/12/1985، بأن الجرائم ضد الإنسانية هي جرائم لا تتقادم و يمكن أن تتابع في فرنسا مهما كان تاريخ و مكان ارتكابها. كما أضافت هذه المحكمة شروطا جديدة  لكي تكيف الجرائم أنها جرائم ضد الإنسانية، إذ يجب أن ترتكب الجريمة باسم دولة تطبق سياسية السيطرة الاديولوجية، إذ يجب أن تكون هناك دولة         أو جماعة تطبق هذه السياسة حتى تعتبر مرتكبة لجرائم ضد الإنسانية.

4 ـ تعريف لجنة القانون الدولي:

           عرفتها هذه اللجنة سنة 1996 في دورتها 48 بما يلي : " يقصد بالجرائم ضد الإنسانية فعل ارتكاب بصفة منهجية أو في نطاق واسع، و بدفع أو تحت إدارة حكومة منظمة أو جماعة الأفعال التالية: القتل، الإبادة، التعذيب، الاسترقاق، الاضطهاد لأسباب سياسية أو عنصرية أو دينية، التمييز المؤسساتي، الإبعاد أو النقل القسري للسكان بطريقة تعسفية، السجن القهري، الاغتصاب، الإرغام القسري على الدعارة،الأفعال الأخرى اللإنسانية التي تمس بخطر السلامة الجسدية و العقلية و بالكرامة الإنسانية مثل الأعمال الخطيرة ".

5 ـ تعريف الفقيه أرنو:

           عرفها بأنها : " جريمة دولية من جرائم القانون العام التي بمقتضاها تعتبر دولة ما مجرمة إذا أضرت بسبب الجنس أو التعصب للوطن أو لأسباب سياسية أو دينية بحياة شخص أو مجموعة أشخاص أبرياء من أي جريمة من جرائم القانون العام أو بحريتهم أو بحقوقهم، أو إذا تجاوزت أضرارها في حالة ارتكابهم جريمة العقوبات المنصوص عليها لهذه الجرائم " (1).

           مما سبق من تعريفات، نرى أنه لا يوجد لحد الآن تعريف واضح و منتظم لهذه الجرائم حيث يوجد إجماع حول أن هذه الجرائم تدخل ضمن القانون الدولي الجنائي و أنها معترف بها بمقتضى المبادئ الأساسية للقانون، و لكن تبقى الخطوط الرئيسية لهذه الجرائم غير معرفة بشكل جيد.

* أركان الجريمة:

           فيما يخص أركان الجرائم ضد الإنسانية فهي مثل الجرائم الدولية الأخرى.

أولا: الركن المادي.

           يقوم الركن المادي للجرائم ضد الإنسانية على مجموعة من الأفعال الخطيرة التي تصيب إحدى المصالح الجوهرية للإنسان أو مجموعة من البشر يجمعهم رباط واحد سياسي أو عرقي أو ديني أو اتفاقي أو قومي أو متعلق بنوع الجنس. و الأفعال التي يقوم عليها الركن المادي لهذه الجريمة يجب أن ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أية مجموعة من السكان المدنيين. و تقع الجريمة ضد الإنسانية بإتيان إحدى الأفعال التالية:
القتل العمد ـ الإبادة كالحرمان من الحصول على الطعام أو الدواء ـ الاسترقاق ـ السجن أو الحرمان الشديد من الحرية ـ التعذيب ـ الاضطهاد ـ الفصل العنصري . و جميع الأفعال التي تتسبب في معاناة أو أذى خطير يلحق بالجسم أو الصحة العقلية و البدنية. و يشترط في هذه الأفعال أن تكون خطيرة، سواء وقعت في وقت الحرب أو السلم.


          

(1) عبد الفتاح بيومي حجازي، المرجع السابق، ص461.
            
ثانيا: الركن المعنوي.

          يتخذ القصد الجنائي في الجرائم ضد الإنسانية صورة القصد الجنائي العام الذي يقوم على العلم و الإرادة، فينبغي أن يعلم الجاني أن فعله ينطوي على التمثيل بطريقة غير إنسانية بالمجني عليهم، أو اضطهاد لأفراد مجموعة معينة، و ينبغي أن تنصرف إرادته إلى ذلك. كما يجب توافر القصد الجنائي الخاص أيضا و يتمثل في أن تتجه إرادة الجاني إلى النيل من الحقوق الأساسية لجماعة معينة بعينها تربط بين أفرادها وحدة معينة ( دينية ، عرقية سياسية...).

ثالثا: الركن الدولي.

          يختلف الركن الدولي في هذه الجريمة مقارنة مع باقي الجرائم الدولية الأخرى، حيث يتجلى الركن الدولي في الجرائم الدولية في وقوع أفعال اعتداء بناءا على خطة ترسمها الدولة و تنفذها على دولة أخرى أو رعايا دولة أخرى، أما في الجرائم ضد الإنسانية فإن الركن الدولي فيها ليس له المعنى المزدوج، بمعنى أنه يكفي لتوفره أن تكون الجريمة قد وقعت تنفيذا لخطة مرسومة من جانب الدولة ضد جماعة بشرية يجمعها قاسم مشترك        و يستوي أن تكون الجماعة تحمل جنسية الدولة أو العكس، و يستوي أن يكون المجني عليه وطنيا أو أجنبيا فقد يكون الجاني و المجني عليه من نفس الدولة.

        
          و قد ثار الخلاف حول وجود علاقة بين جريمة الإبادة و الجرائم ضد الإنسانية فهناك من يقول أنهما جريمتان مستقلتان، و هناك من يرى بأنهما مرتبطتان. يرى الفقيه "جرافن" أن جريمة الإبادة من أبرز صور الجرائم ضد الإنسانية. لكن توجد فروقات طفيفة بينهما، إذ أن الغاية من الجرائم ضد الإنسانية القضاء على الجماعة بسبب عرقها أو دينها أو معتقداتها، أما جريمة الإبادة تقع بقصد تدمير جماعة عرقية أو دينية ، حيث رأى الفقيه "بلاوسكي" أن جريمة الإبادة هي صورة خاصة للجرائم ضد الإنسانية، و الفرق بينهما هو الدافع فقط.


* الجرائم ضد الإنسانية في نظام روما الأساسي:

           تم التنصيص على هذه الجرائم في المادة 7 من نظام روما، حيث فصلت هذه المادة وفسرت الجرائم ضد الإنسانية تفسيرا صحيحا لكونها من أخطر الجرائم التي تمس المجتمع الدولي.
           و قد وسع نظام روما الأساسي مفهوم  الجريمة ضد الإنسانية، بإضافته لهذه الجرائم الاختفاء القسري للأشخاص و التعذيب و الأفعال ذات الطابع الجنسي. و أهم مبدأ جاء به هذا النظام هو اعتبار الجريمة ضد الإنسانية يمكن أن ترتكب خارج أي نزاح مسلح سواء كان داخليا أو دوليا. بمعنى أن نظام روما الأساسي يمكن أن يطبق على كل الخروقات الخطيرة لحقوق الإنسان و لو في وقت السلم.

         كما نشير إلى أن الفقرة الأولى ك من المادة 7 و التي جاء فيها: "... الأفعال اللإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية..."، حيث تركت المجال واسعا لمتابعة مرتكبي أفعال تعتبر جرائم ضد الإنسانية لم يتم التنصيص عليها في نظام روما الأساسي و لكن يتوقع حدوثها في المستقبل.

            ونظرا لطبيعة الجرائم ضد الإنسانية و صبغتها الوحشية فهي غير قابلة للتقادم     و هو ما كرسته المادة 29 من نظام روما. و ذلك تأكيدا على معاقبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية و عدم تمكينهم من الإفلات من العقاب نظرا لوحشية ما ارتكبوه من أفعال تمس المجتمع الدولي ككل. و قد وسع هذا النظام من هذا المبدأ و رتب عليه آثارا قانونية (1).






(1) عبد القادر البقيرات، المرجع السابق، ص155.

المطلب الثاني: جرائم الحرب و جريمة العدوان.

           تعتبر جرائم الحرب مجموع الأفعال التي تقع أثناء الحرب بالمخالفة لميثاق الحرب كما حددته قوانين الحرب و عاداتها و المعاهدات الدولية.أما جريمة العدوان و كما أكدتها محكمة نومبرج فإنها تعد أم الجرائم الدولية، فهي محرمة بموجب عدة اتفاقيات دولية.
و فيما يلي سأحاول دراسة كل جريمة على حدى.

أولا: جرائم الحرب.

            تعد جرائم الحرب من أقدم الجرائم الدولية ـ كما سبق لي القول ـ التي حاول المجتمع الدولي تحديها منذ وقت مبكر. و قد توالت المحاولات منذ القدم ابتداءا من أعمال الفقهاء ومنهم: سواريز، و جروسيوس، و منتسكيو ، و روسو، حيث دعا هؤلاء إلى تنظيم سياسة المتحاربين ضمن مبادئ عامة. و قد توالت الجهود بعد ذلك و أثمرت على إبرام معاهدات دولية عملت على تنظيم عادات الحروب و قوانينها و أنواع الأسلحة التي لا سيجوز استعمالها في الحرب.

          و قد عرفت جرائم الحرب بأنها: " مجموعة الأفعال التي تنطوي على خروج متعمد على قوانين و أعراف الحرب " ، أو بأنها: " الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لقوانين          و أعراف الحرب و الاتفاقيات الدولية و القوانين الجنائية الداخلية و المبادئ العامة للقانون الجنائي المعترف بها في كل الدول ". أو أنها: " الأفعال التي تباشر بها العمليات الحربية على نحو مخالف لقوانين الحرب و عاداتها مثل استعمال أسلحة محظورة كالغازات السامة و الأسلحة الجرثومية أو الاعتداء على أسرى الحرب" .  




(1) عبد الفتاح بيومي حجازي، المرجع السابق، ص656.


          و قد كانت أول معاهدة وضعت قواعد للحرب هي تصريح باريس البحري لسنة 1856 الذي صدر أولا في انجلترا و فرنسا عقب حرب القرم، ثم وقعت عليه بعد ذلك 7 دول ثم انظمت إليه معظم دول العالم.وقد عقبه عدة معاهدات كالآتي:
ـ اتفاقية الصليب الأحمر ( اتفاقية جنيف) سنة 1864.
ـ اتفاقية مؤتمر لاهاي الأولى و الثانية لسنتي 1899 و 1907.
ـ تقرير الفقيهين "لارنود" و " دو لا برادال" المقدم إلى لجنة المسؤوليات سنة 1919 الذي  ضم 32 فعلا تعد جرائم حرب.
ـ بروتوكول جنيف لسنة 1925.
ـ أعمال لجنة الحرب المشكلة في لندن سنة 1943 لتحديد جرائم الحرب التي اقترفها الألمان.

           كما ساهمت الأمم المتحدة في مجال الحرب، ومن أهم أعمالها:
ـ اتفاقيات جنيف الأربع لسنة1949 ( تتعلق الأولى بحماية الجرحى و المرضى من القوات المسلحة في الميدان، و الثانية تخص حماية الجرحى و المرضى و الغرقى في الحرب البحرية، أما الثالثة تخص حماية أسرى الحرب، و الرابعة تتعلق بحماية المدنيين).
ـ الملحقان الإضافيان لها اللذين صدرا عن الأمم المتحدة عام 1977.

          و عليه فإن العرف الدولي و المعاهدات الدولية تحتوي على قواعد قانونية تتعلق بالحروب و المحاربين تحدد حقوقهم و واجباتهم. و المهم في القانون الدولي الجنائي و كذا المجتمع الدولي هو المحافظة على هذه القواعد و الالتزام بها و عدم الخروج عنها.و بالتالي فإن جميع الأفعال التي تخرق هذه القيود أو تتجاوزها تعتبر جرائم حرب.

* أركان جريمة الحرب:

تتمثل أركان هذه الجريمة في الركن المادي و المعنوي و الدولي.

أولا: الركن المادي:

           يتكون هذا الركن من عنصرين: توافر حالة حرب، و ارتكاب أحد الأفعال التي تحظرها عادات و قوانين الحرب.
1 ـ حالة الحرب:

          جرائم الحرب لا تقع إلا أثناء قيام حالة الحرب أي أثناء نشوبها، و يقصد بالحرب في مفهومها الواقعي "نزاع مسلح أو قتال متبادل بين القوات المسلحة لأكثر من دولة ينهي ما بينها من علاقات سلمية، سواء صدر بها إعلان رسمي أم لم يصدر" . أما المفهوم القانوني للحرب" فهو يستلزم ضرورة صدور إعلان رسمي بها من جانب إحدى الدول المتحاربة قبل بدء العمليات القتالية العسكرية" . لكن الراجح هو التعريف الواقعي، إذ أن نشوب القتال المسلح فعلا يفيد إعلان الحرب ضمنا و يعد قرينة على ذلك الإعلان.

          و هناك النزاعات الداخلية التي تدور بين قوات حكومية و قوات مسلحة منشقة تمارس سيطرة على جزء من أراضي البلد و تحت قيادة دولة مسؤولة حيث تتمكن من إدارة عمليات عسكرية  منسقة. و تجدر الملاحظة أن النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي ينظمها البروتوكول الإضافي الثاني لسنة 1977. و لا يشترط في الجاني صفة معينة لكي تقع جرائم الحرب، إذ يستوي أن يكون عسكريا أو مدنيا، كما يستوي أن يكون رئيسا أم لا.

2 ـ ارتكاب أحد الأفعال المحظورة دوليا:

           نظرا لكون قوانين و عادات الحرب يحددها بحسب الأصل العرف الدولي المتطور حسب ما يلجأ إليه المتحاربون من وسائل حربية جديدة نظرا للتقدم العلمي، فإن الأفعال التي تشكل جرائم حرب غير محصورة.و سأتناول بعض الأفعال التي تشكل جرائم حرب على سبيل المثال فقط ، و هذه الأفعال يقسمها الفقه إلى أفعال محظورة بالنظر إلى وسيلة ارتكابها و أفعال محظورة بالنظر إلى ما تقع عليه، و تقسم هذه الأخيرة إلى أفعال محظورة تقع على الإنسان الأعزل و أفعال تقع على المال غير الحربي.

أ ـ الأفعال المحظورة بالنظر إلى وسيلة ارتكابها:

          و هي الأفعال التي تعتمد علة أنواع معينة من الأسلحة المحرمة دوليا و التي لا يجوز استعمالها بأي حال من الأحوال، و تتمثل هذه الأسلحة في : الأسلحة التقليدية ( السلاح المتفجر، السلاح الحارق ـ الفوسفور و النابالم ـ القنابل المؤقتة ) و الأسلحة الكيماوية ( و هي
التي تصنع بمواد كيماوية لها خصائص تجعلها قاتلة و سامة كالغازات التي تؤدي إلى شلل الأعصاب)، و السلاح البكتريولوجي، و كذا السلاح النووي ( كقنبلة الولايات المتحدة الأمريكية على كل من مدينة "هيروشيما" و " نغازاكي" باليابان سنة1945.

           و العلة من تحريم هذه الأسلحة هو أن استعمالها و الضرر الناجم عنها لا يقتصر فقط على الجيوش المقاتلة بل يمتد ليصيب الأبرياء أيضا، بالإضافة إل عدم التمكن من السيطرة على مدى انتشارها كالغازات السامة.

ب ـ الاعتداء على الإنسان الأعزل و المال غير الحربي:

          تفترض الاتفاقيات المتعلقة بالحرب عدم الاعتداء على المدنيين و المحاربين العزل الذين ألقوا سلاحهم أو أصبحوا عاجزين عن القتال لأي سبب كان. كما تفترض عدم الاعتداء على الأموال غير الحربية من مباني و آثار و أماكن علمية و مستشفيات و دور العبادة.      و يكون ذلك بالقتل المقصود و الاعتداءات الخطيرة و مهاجمة المدنيين و المواقع المدنية.

ثانيا: الركن المعنوي.

يجب توافر القصد الجنائي العم فقط، فعلى الجاني أن يعلم بأن الأفعال التي يأتيها تخالف قوانين و عادات الحرب كما حددها القانون الدولي الجنائي.و لا يكفي أن يثبت الجاني أنه لا يعلم بالمعاهدة التي تحظر الفعل، بل يجب عليه إثبات عدم علمه بالعرف الدولي الذي يحرمه.كما يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إتيان تلك الأفعال المحرمة.

ثالثا: الركن الدولي.

           لا تقع جريمة استعمال السلاح إلا أثناء سير العمليات الحربية أي من اللحظة التي تقوم عليها الحرب، التي هي نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر، و هذا ما يجعل قيام الركن الدولي أمرا واضحا، و اشتراط الركن الدولي يعني أن هذه الجريمة لا تقوم لمجرد وقوع حادث تسبب فيه فرد أو جماعة ، إذا لم يكونوا أصحاب قرار أو موقع سام في الدولة يمكنهم من إعلان الحرب.  
          و قد ثار مشكل الفرق بين جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية، و ذلك بربط الجرائم ضد الإنسانية مع جرائم الحرب.
إلا أن هناك فرقين بين الجريمتين، الفرق الأول يكمن في كون جرائم الحرب ترتكب أثناء نزاع مسلح أما الجرائم ضد الإنسانية ترتكب قبل أو أثناء أو بعد نزاع مسلح، أما الفرق الثاني يكمن في كون أن جرائم الحرب تمس بسيادة الدول أساسا أما الجرائم ضد الإنسانية ترتكب و كما يظهر في تسميتها ضد الإنسان أساسا.

* جرائم الحرب في نظام روما الأساسي:  

           نصت المادة 5 من نظام روما الأساسي على أن جرائم الحرب تدخل في اختصاص المحكمة و نصت المادة 8 من نفس النظام على الأفعال التي تشكل جرائم حرب.
         و قد نصت المادة 8 على 34 حالة من جرائم الحرب المرتكبة أثناء النزاعات المسلحة ذات الطابع الدولي، و 16 حالة من الجرائم المرتكبة أثناء النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، و لقد احتجت العديد من الدول على إدخال هذه الأخيرة ضمن الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي نذكر من هذه الدول: الهند ، اندنوسيا، إيران نيجيريا و باكستان، و حجة هذه الدول هي أن هذه الجرائم يختص بها القضاء الجنائي الوطني.و لكن بالرغم من هذه الاحتجاجات تم  إدخال هذه الجرائم.
        ومن إيجابيات المادة 8 احتواءها على الجرائم ذات الطبيعة الجنسية كالاسترقاق الجنسي، و الدعارة، و التعقيم القسري.لكن يعاب على هذه المادة عدم تنصيصها على حظر الأسلحة النووية و الألغام، و كذا تجريم التأخير في إعادة المدنيين و السجناء إلى        وطنهم (1).



 



(1)  رائد سليمان الفقير، نفس المقال السابق.



ثانيا: جريمة العدوان.

           لقد وصفت محكمة نومبرج العدوان بقولها : " إن شن حرب الاعتداء ليس جريمة دولية فحسب، إنها الجريمة الدولية العظمى التي لا تختلف عن غيرها سوى أنها تحتوي على كل الجرائم"، و العدوان محرم بموجب معاهدات و اتفاقيات دولية مثل اتفاقية الدفاع المشترك بين النمسا و انجلترا و فرنسا التي كانت أول معاهدة أشارت إلى العدوان.و تلى هذه الاتفاقية عدة نصوص منها:
ـ ذكر عهد عصبة الأمم العدوان في المادة 10 منه.
ـ بروتوكول جنيف 1924 الذي منع اللجوء إلى الحرب العدوانية.
قرار عصبة الأمم 1927 الذي اعتبر العدوان جريمة دولية.
ـ لائحتي نومبرج و طوكيو، و قانون مجلس الرقابة على ألمانيا، و ميثاق الأمم المتحدة.

          وقد وجدت اتجاهات عدة في تعريف العدوان(1)، كما عرفت الجمعية العامة العدوان في قرارها رقم 1/3314 الصادر في 14/12/1974 و الذي جاء في مادته الأولى ما يلي : " استخدام للقوة بواسطة دولة ضد السيادة أو السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى أو بأية طريقة كانت تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة"، و يتميز هذا التعريف أنه صيغ بأسلوب واضح و منطقي. فقد أشار التعريف إلى أن الأفعال المذكورة فيه لم تذكر إلا على سبيل المثال لا الحصر، كما ترك التعريف لمجلس الأمن استخلاص العدوان من بعض الوقائع التي لم ترد فيه و لا يمكن التنبؤ بها سلفا، فأتاح بذلك الفرصة لملاحقة التطور القانوني و الاستفادة منه بخصوص بعض المجالات التي قد تظهر مستقبلا.

           وقد نص نظام روما الأساسي على جريمة العدوان في المادة 5، وتنص نفس المادة في فقرتها الثانية على أن المحكمة الجنائية الدولية تمارس اختصاصها على جريمة العدوان متى اعتمد حكم بهذا الشأن وفقا للمادتين 121 و 123 يعرف العدوان و يضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة، و يجب أن يكون هذا الحكم متطابقا مع الأحكام ذات الصلة بميثاق الأمم المتحدة.


(1) راجع هامش الصفحة 59 من هذا البحث.
* أركان جريمة العدوان:

          و لها ثلاث أركان: الركن المادي، و المعنوي، و الدولي.

أولا: الركن المادي.  

           إن صور جريمة العدوان منبثقة من نص المادة 1 و 3 من القرار المشار إليه أعلاه فهي صور استرشادية تساعد مجلس الأمن في تقييم الحالة المعروضة عليه. و بما أن مفهوم العدوان يرتبط بمفهوم السيادة، باعتبار أن العدوان هو استعمال القوة المسلحة ضد سيادة الدولة الضحية، فقد حددت المادة الأولى أهم مظاهر اختراق السيادة الوطنية للدول المتمثل في الاعتداء على سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي. و بينت المادة 3 بعض أشكال استعمال القوة المسلحة بوصفها عدوانا على السيادة الوطنية، من بين هذه الأشكال:
ـ الغزو و الهجوم المسلح ، القنبلة، حصار الشواطئ و الموانئ، الهجوم ضد القوات المسلحة في البر أو البحر أو الجو، استخدام إقليم الدولة على غير ما هو متفق عليه، قيام الدولة بوضع إقليمها تحت تصرف دولة أخرى للعدوان، إرسال العصابات.

ثانيا: الركن المعنوي.

           يشترط القصد الجنائي العام في جريمة العدوان، إذ يجب أن يعلم الجاني أن فعل العدوان فعل غير مشروع و أن من شأنه المساس بسيادة الدولة المعتدى عليها أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي. كما يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى فعل العدوان في ذاته.

ثالثا: الركن الدولي.

           يقصد بالركن الدولي في جريمة الاعتداء وجوب وقوع فعل العدوان باسم الدولة    أو بناءا على خطتها أو برضاها  على إقليم أو قوات أو سفن أو طائرات دولة أخرى أو عدة دول. بحيث يمكن القول بأن هذه الجريمة قد أنشأت علاقة دولية محرمة. فلا تقوم جريمة العدوان إذا قام ضابط في دولة ما ـ بدون الرجوع إلى أصحاب القرار في دولته ـ بضرب دولة أجنبية أخرى. و لا تعد الحرب الأهلية بمثابة حرب بين دولتين.
الخاتمة:

           إن من أهم مواضيع القانون الدولي الجنائي " الجريمة الدولية"، و لقد بينت في هذا البحث كل ما يتعلق بالجرائم الدولية سواء من حيث نشأتها، أو من حيث النظرية العامة التي تقوم عليها الجريمة الدولية ، أو من حيث أنواعها المختلفة، و وفقا لما سبق فإنني أستخلص النتائج التالية:

1 ـ عرفت الجريمة الدولية منذ قدم العصور، حيث كان الصراع البشري مرتبطا ببدء الخليفة، بل و تعد حادثة قتل قابيل لهابيل أولى الجرائم في الحياة البشرية.

إن طبيعة القواعد التي تنظم الجرائم الدولية هي ذات طبيعة عرفية، إذ يعتبر العرف الدولي مصدر تجريم هذه الجرائم، و لا تعتبر المعاهدات الدولية إلا وسيلة لتسجيل هذا العرف.

نتج عن الحرب العالمية الثانية ظهور عدة أنواع من الجرائم الدولية مست بالسلم و الأمن الدوليين.

لقد أدت كثرة الحروب و مجرمي الحرب بعد الحربين العالميتين الأولى و الثانية إلى إنشاء محاكم دولية مؤقتة تفصل في هذه الجرائم الدولية لتقرير المسؤولية و توقيع العقاب.

نظرا للطابع المؤقت لهذه المحاكم فقد تكثفت الجهود الدولية لإنشاء جهة قضائية دولية تمتاز بالديمومة، و أسفرت عن هذه الجهود إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة.

تعتبر الجريمة الدولية سلوكا مجرما مضادا لقواعد القانون الدولي، و الذي يمثل انتهاكا للنظام العام في أكثر من دولة.

تمتاز الجريمة الدولية ببعض الخصائص التي تميزها عن باقي الجرائم سواء كانت داخلية أو عالمية أو سياسية.
8 ـ الجريمة الدولية و من حيث المبدأ كالجريمة الداخلية تقوم على مجموعة من الأركان     و تبيحها بعض الأسباب، و تمتنع المسؤولية عن ارتكابها، كل ما في الأمر أن مضمون هذه القواعد يختلف عن تلك المعروفة في القوانين الداخلية و ذلك نظرا لطبيعة الجريمة الدولية.

ارتكاب الجريمة الدولية يتولد عنه قيام المسؤولية الجنائية، و الغالب في القانون الدولي العمل بالمسؤولية الدولية الجنائية للأفراد.

10ـ تنقسم الجرائم الدولية إلى عدة أنواع، و لعل المشكل الكبير يمس جريمة العدوان التي تمثل أكبر جريمة ترتكب في حق المجتمع الدولي ، و للأسف لم تعرف هذه الجريمة تعريفا جامعا مانعا، و هذا ما يبرر الأعمال العدوانية للدول المتغطرسة التي تريد بسط سيطرتها على كل شبر من هذا العالم. 


















قائمة المراجع:

1 ـ حسنين صالح إبراهيم صالـح عبيد، الجريمة الدولية، دراسة تحليلية، دار النهضة العربية
     مصر، 1994.
2 ـ عبد الفتـاح بيومي حجــازي، المحكمـة الجنائية الدوليـة، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية
     2005.
3 ـ عبـد القـادر البقيـرات، العدالـة الجنـائية الدوليــة، ديـوان المطبـوعات الجامعية، الجزائر
     2005.
4 ـ عبـد الله سـليمــان سـليمـان، المقدمــات الأسـاسية في القــانون الدولـي الجنــائي، ديــوان
     المطبوعات الجامعية، الجزائر.
5 ـ علي يوسف الشكـري، القـانون الجنـائي الدولـي في عالم متغير، إيتراك للطباعة و النشر
     مصر الجديدة.
6 ـ محمد بوسلطان، مبـادئ القـانون الدولي العام، الجزء الأول، ديوان المطبوعات الجامعية
     الطبعة الثالثة، الجزائر.
7 ـ محمد عـبد المنعـم عبد الخالـق، الجـرائـم الدوليـة، دراسـة تأصيلية للجرائم ضد الإنسانية
     و السلام و جرائم الحرب، الطبعة الأولى، القاهرة، 1989.
8 ـ محمـد منصـور الصـاوي، أحكــام القـانون الدولي المتعلقـة بمكافحة الجرائم ذات الطبيعة
     الدولية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية.
9 ـ محمود صـالح العادلي، الجريمة الدولية، دراسة مقارنة، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية
     2004.

قائمة المقالات:

1 ـ جيسيكـا لسكس، المسـاعدة القانونية للقاضي كلود جوردا بالمحكمة الجنائية الدولية، مقال 
     بعنوان "الإرهاب بوصفه جريمة دولية"، مركز القوانين العربية.
2 ـ رائـد سليمان الفقـير، مقـال حول" خصائص و أركــان الجريمة الدولية"، مركز القوانين
     العربية.
3 ـ شفيــق المصري، مقـال بعنوان " الإرهـاب الدولي في محــاولات تعريفـه"، مجلة الدفاع
     الوطني، عدد 66.  
4 ـ عدنان السيد حسين، مقال حول "الجرائم ضد الإنسانية بين المسؤولية و التنصل"، مركز
     المعطيات و الدراسات الإستراتيجية، سوريا.
5 ـ يونس زكور، مقال حول " الجريمة السياسية"، عدد1788،تاريخ 07/01/2007، مركز
    القوانين العربية.

























الفهرس:

مقدمة......................................................................................1.
الخطة.....................................................................................2.
نشأة الجريمة الدولية و تطورها......................................................4.
الجريمة الدولية في العصرين القديم و الوسيط.....................................4.
الجريمة الدولية في العصر القديم.....................................................5.
الجريمة الدولية في العصر الوسيط..................................................9.
موقف المسيحية من الجرائم الدولية.................................................9.
موقف الشريعة الإسلامية من الجرائم الدولية.....................................10.
الجريمة الدولية في العصر الحديث.................................................12.
الجريمة الدولية في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى و الثانية...........15.
الجريمة الدولية بعد فترة الحرب العالمية الثانية..................................18.
المحكمة العسكرية الدولية في نومبرج.............................................19.
المحكمة العسكرية الدولية في طوكيو..............................................21.
النظرية العامة للجريمة الدولية......................................................22.
ماهية الجريمة الدولية.................................................................22.
تعريف الجريمة الدولية و أساسها القانوني........................................24.
تعريف الجريمة الدولية...............................................................24.
الأساس القانوني للجريمة الدولية...................................................28.
قاعدة عدم الرجعية في القانون الدولي الجنائي...................................30.
القياس و التفسير الموسع.............................................................30.
تحديد العقوبات........................................................................31.
تطبيق القانون من حيث المكان.....................................................31.
طبيعة الجريمة الدولية................................................................32.
خصائص الجريمة الدولية............................................................34.
خطورة الجريمة الدولية و جسامتها................................................34.
جواز التسليم في الجرائم الدولية....................................................34.
استبعاد قاعدة التقادم من نطاق الجريمة الدولية..................................35.
استبعاد نظام العفو من التطبيق في الجرائم الدولية..............................36.
استبعاد الحصانات في الجرائم الدولية.............................................37.
كيان الجريمة الدولية و الدعوى الجنائية الدولية.................................38.
نطاق الجريمة الدولية................................................................38.
الجريمة الدولية و الجريمة العالمية................................................38.
الجريمة الدولية و جريمة قانون الشعوب.........................................39.
الجريمة الدولية و الجريمة الداخلية................................................40.
الجريمة الدولية و الجريمة السياسية...............................................40.
أركان الجريمة الدولية................................................................42.
الركن المادي...........................................................................42.
السلوك الإجرامي.....................................................................43.
السلوك الإيجابي.......................................................................44.
السلوك السلبي.........................................................................44.
جريمة إنكار العدالة...................................................................45.
جريمة الدولة بالسماح لعصابات مسلحة بالانطلاق من أراضيها..............45.
جريمة عدم التنسيق بين التشريعين الوطني و الدولي...........................45.
قيام لجريمة الدولية بمجرد الامتناع................................................46.
النتيجة الإجرامية.......................................................................46.
علاقة السببية...........................................................................47.
صور الركن المادي في الجريمة الدولية...........................................48.
الشروع في الجريمة الدولية.........................................................48.
المساهمة الجنائية في القانون الجنائي الدولي.....................................50.
الركن المعنوي للجريمة الدولية.....................................................50.
صور الركن المعنوي للجريمة الدولية.............................................51.
القصد الجنائي في القانون الدولي الجنائي.........................................51.
الخطأ غير العمدي في القانون الدولي الجنائي....................................52.
موانع المسؤولية الجنائية.............................................................52.
الإكراه في القانون الدولي الجنائي..................................................53.
الإكراه المادي..........................................................................53.
الإكراه المعنوي........................................................................54.
الجهل و الغلط في الصفة الإجرامية للفعل.........................................54.
الركن الشرعي للجريمة الدولية......................................................55.
أسباب الإباحة في الجريمة الدولية..................................................56.
المعاملة بالمثل..........................................................................56.
الدفاع الشرعي..........................................................................57.
شروط الدفاع الشرعي في القانون الدولي الجنائي................................58.
الشروط المتطلبة في العدوان.........................................................58.
الشروط المتطلبة في الدفاع...........................................................60.
حالة الضرورة..........................................................................61.
إطاعة الأمر الصادر عن رئيس.....................................................62.
رضاء المجني عليه....................................................................63.
الركن الدولي للجريمة الدولية........................................................63.
شروط الركن الدولي...................................................................64.
دعوى الجريمة الدولية.................................................................65.
مفهوم الدعوى الجنائية الدولية........................................................65.
تحديد المسؤولية في الجريمة الدولية.................................................65.
انقضاء دعوى المسؤولية الجنائية الدولية..........................................67.
صور الجرائم الدولية قبل و بعد نظام روما الأساسي.............................68.
صور الجرائم الدولية قبل صدور نظام روما الأساسي...........................69.
الجرائم ضد السلام و الجرائم ضد أمن البشرية....................................69.
الجرائم ضد السلام......................................................................70.
الدعاية الإعلامية لحرب الاعتداء....................................................71.
التآمر ضد السلام........................................................................74.
الجرائم ضد أمن البشرية...............................................................76.
جرائم الإرهاب..........................................................................76.
جريمة خطف الطائرات................................................................80.
جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية...............................................83.
جرائم الحرب.............................................................................83.
الجرائم ضد الإنسانية...................................................................84.
جرائم إبادة الجنس.......................................................................86.
جرائم التمييز العنصري................................................................86.
صور الجرائم الدولية حسب نظام المحكمة الجنائية الدولية......................87.
مراحل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية...............................................87.
مميزات المحكمة الجنائية الدولية.....................................................89.
جرائم الإبادة و الجرائم ضد الإنسانية................................................90.
جريمة الإبادة.............................................................................90.
الجرائم ضد الإنسانية....................................................................94.
جرائم الحرب و جريمة العدوان.......................................................99.
جرائم الحرب.............................................................................99.
جريمة العدوان...........................................................................104.
الخاتمة.....................................................................................106.
قائمة المراجع و المقالات...............................................................108.
الفهرس....................................................................................110.






Aucun commentaire :

Enregistrer un commentaire

جميع الحقوق محفوظة موسوعة القانون. Fourni par Blogger.

جميع الحقوق محفوظة لذى | السياسة الخصوصية | Contact US | إتصل بنا

تعديل : موسوعة القانون